ستظل دعوات من قبيل تجديد الفكر الديني أو مراجعة المناهج الدراسية أو الدعوات العابرة للناس بتجاهل أدبيات الإرهابيين، دعوات لا قيمة لها.العرب محمد العصيمي [نُشر في 2018/01/02، العدد: 10857، ص(9)] منذ نشأة ظاهرة الإرهاب الحديثة التي أخذت أشكالا جديدة وعنيفة، لا تقارن بما سبق، بقيت هذه الظاهرة بعيدة، بقدر أو بآخر، عن الوعي الشعبي بخطورتها وعواقبها على الدول والمجتمعات؛ وذلك لأن الأجهزة الرسمية، السياسية والأمنية، انشغلت بمكافحة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين في مواجهة مباشرة على مستوى التنسيق الاستخباراتي وكشف التنظيمات الإرهابية لتحقيق ضربات أمنية استباقية أو ضربات انتقامية تلي الفعل الإرهابي. هذا الانشغال الرسمي والأمني بالإرهاب عزل الشعوب تقريبا، في كل دول العالم، عن المشاركة في رفض الإرهاب، ومن ثم الانخراط الفعلي في مقاومته جنبا إلى جنب مع الحكومات. ولذلك كان من اللافت أن تركز وسائل الإعلام المصرية والعالمية على تدافع عشرات المصريين العاديين في حادث كنيسة حلوان ليجهزوا على الإرهابي الذي سقط جريحا في الشارع ويكملوا ما فعلته الشرطة ويمنعوه من إطلاق النار العشوائي على المارين بالشارع كما فعل قبل إصابته بقليل. دلالة هذا الفعل الشعبي التلقائي هي أن الناس إذا أحسوا بالخطر، فإنهم يكونون مستعدين للمشاركة في دفع هذا الخطر حتى لو كانت حياتهم مهددة، وأن الأمر ليس كما يُشاع بأن مكافحة الإرهاب مقصورة على الأجهزة الرسمية والأمنية بينما الناس، تجاه هذا الخطر، هم سلبيون ومتفرجون. دليل آخر من السعودية على إيجابية الشعوب في رفض الإرهاب ظهر بعد الإعلان عن قتل إرهابيي بلدة العوامية لقاضي المواريث والأوقاف محمد الجيراني والتمثيل بجثته بعد أن تلقوا فتوى إيرانية تجيز لهم ذلك، حيث لم يتردد سعودي واحد في استنكار هذا الفعل الشنيع بالرغم من وجود أصوات من الطرفين تحاول أن تفرق في المواقف بين الشيعة والسنة. ولأول مرة، بحسب علمي، تسجل مواقف شعبية واضحة في منطقة القطيف الشيعية ضد الإرهابيين وأجندتهم الإيرانية، حيث لم يكن ذلك واضحا في ما سبق؛ إما نتيجة لغلبة العاطفة المذهبية، وإما لمحاولة تجنب آثار تسجيل مثل هذه المواقف في المجتمع المحلي للمنطقة. الدليل الثالث والأهم على وعي الشعوب بالإرهاب هو ما يحدث في إيران الآن من مظاهرات من مختلف أطياف الشعب وطبقاته الدنيا، إذ حتى لو كان منشأ هذه المظاهرات هو الضائقة الاقتصادية وفقر نسبة كبيرة من الإيرانيين، إلا أن الشعارات التي حملتها المظاهرات هي شعارات ترفض الإرهاب الإيراني الذي تديره الدولة وتصرف عليه مليارات الدولارات بينما شعبها يئن تحت وطأة الجوع والتشرد الداخلي. الخطير في الموضوع الإيراني، خلاف ما هو حاصل في الدول الأخرى، أن الشعب يقاوم إرهابا، وإن كانت مداراته خارجية، ترعاه الدولة نفسها. وهذا يمثل مفارقة صارخة، إذ أن هذه المقاومة تتعرض للقمع الرسمي والتخوين من الأجهزة الحكومية التي تطارد المتظاهرين وتقتلهم أو تعتقلهم. ولذلك يمكن اعتبار مظاهرات الشعب الإيراني من النوع الذي يضاف إلى قائمة الأفعال الحقيقية التي تقاوم الإرهاب الدولي والإقليمي، وهي بذلك تستحق الدعم والمساندة من كل دول وشعوب العالم التي اكتوت بنار الإرهابيين؛ هذا إذا كانت هذه الدول والشعوب جادة بالفعل للتخلص من ظاهرة الإرهاب التي تهدد الأمن والسلم الدوليين. قراءة هذه الأدلة الثلاثة وتطبيقها على وعي الشعوب بالإرهاب، تدلنا على أن طبيعة هذا الوعي هي طبيعة عفوية وغير ممنهجة؛ وأنها إما تنتج من ردود فعل آنية كما في حالة مصر والسعودية، أو تنتج عن تراكمات اقتصادية كما في حالة إيران. أي أن الشعوب في كل الدول لا تمارس الفعل ضد الإرهاب على نفس مستوى ممارسات الأجهزة الرسمية والأمنية. لا أقصد المقاومة المباشرة بالاستخبارات والسلاح، وإنما أقصد المقاومة الممنهجة التي تحوّل المواطن إلى شريك كامل وعين مفتوحة على الإرهابيين الذين يهددون أمنه وسلامته. ولن يتحول المواطن إلى هذه الشراكة الكاملة والعين الواعية المفتوحة ضد الإرهاب إلا إذا اشتركت كل دول العالم في فعل موحد ضد الإرهاب قوامه فكر ووعي المواطن، الذي يجب أن يُهيّأ لهذه المقاومة عن طريق الإعلام والتعليم ووسائل صناعة الحياة بكل أشكالها الضامنة للأمن والرفاه. وبغير ذلك ستظل دعوات من قبيل تجديد الفكر الديني أو مراجعة المناهج الدراسية أو الدعوات العابرة للناس بتجاهل أدبيات الإرهابيين، دعوات لا قيمة لها. كما أن مقاومة الإرهاب على المستويين الرسمي والأمني من دون إشراك الشعوب ووعيها مباشرة في صدّ هذا الإرهاب، لن تؤدي سوى إلى نتائج مؤقتة أو مبتورة مثلما نرى الآن. كاتب سعوديمحمد العصيمي
مشاركة :