العنوان في الرواية بقلم: وارد بدر السالم

  • 1/4/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت العناوين نصوصا جاذبة وعتبات نصية لا بد منها جماليا، باستثناء تلك العناوين التجارية التي تستهدف الناشئة والمراهقين بدعوى الرومانسية.. وهي كثيرة تكاد تزاحم العناوين الأصيلة.العرب وارد بدر السالم [نُشر في 2018/01/04، العدد: 10859، ص(14)] ينشغل الروائي زمنا طويلا بكتابة روايته قد يمتد إلى سنوات وشواهد ذلك عربيا وعالميا كثيرة، ويظن القارئ أن العنوان مبدئيا لا يكلف وقتا سوى أن يترجم الكاتب عنوان روايته في لحظة سريعة من دون أن يعرف أنه إشكالية مريرة يعاني منها الجميع؛ فالعنوان بوصفه العتبة الأولى للقراءة يجب أن يكون متضامنا مع المادة السردية، لا مفسرا لها، ولا نقصد بشكلها المباشر إنما في الأقل أن يكون ثريا للنص السردي يضيء العتبة وما يجاورها من متن عام، أو يتقدم كنص مكثف يختزل العمل الروائي بأكثر من طريقة. العنونة موضوعة مؤرقة تتغيّر مع تغيّر مسارات السرد ولا تثبت على أي حال، وبالفعل هي قصة شائكة ومعقدة إلى حد كبير، فإذا عددنا العنوان مرشدا للنص ودليلا له، فهل هذا يكفي أن يضع الكاتب مفاتيح روايته في العنوان أم أن العنوان نص موح مواز للمتن مكتف بدلالاته وتأويلاته أم هو إشارة أولى إلى النص الكلي ومفتاح من مفاتيح القراءة؟ قطعا أن عناوين الشعر تفترق عن عناوين السرد، فالأولى تميل إلى التجريد والصورة الشعرية والاختزال، والثانية ليست كذلك لأنها محكومة بظرفيتها وموضوعتها المتشعبة وزمنها وتاريخها، وهو أمر لا بد أن ننظر إليه، في حين يبقى الشعر أكثر التصاقا بحميميّة تجلياته وتجريداته على مرّ العصور. سنرى كثيرا أن العنوان يثبت في اللحظة الأخيرة، وهي اللحظة الصعبة التي تختصر كل أعباء الكتابة، فماركيز مثلا أرّقه عنوان روايته النوبلية “مئة عام من العزلة” بعدما كان اسمها الأول “البيت”، لكنه عدل عن التسمية في وقت كادت فيه الرواية تأخذ طريقها إلى الطبع، وثمة أمثلة كثيرة في هذا الصدد ستستدركونها في يوميات الأدباء والكتّاب، لكن يجب أن ننظر إلى تاريخية العنوان السردي ومدى ملاءمته لعصره، إذ لا بد للعنوان الروائي أن يخضع لتطورات البنية الداخلية للرواية ومرحلتها التاريخية في معايير الإبداع السائدة. فواقعية الرواية تفرض أسماءها الواقعية البسيطة السهلة التي تأخذ من أسماء الأشخاص أو الأماكن المعروفة وغير المعروفة مسمياتها، وروايات التجريب والحداثة تميل إلى التعقيد والمجاز والغموض وربما الجمود والتأويل، والعناوين التاريخية لها مدلولات تاريخية وشعبية وأثرية وخصوصياتها الواضحة في تأكيد أسماء الشخصيات التاريخية ذات التأثير الاستثنائي أو المدن ذات القيمة التاريخية والأثرية. نجيب محفوظ أخذ عناوين رواياته من الحارات المصرية (زقاق المدق، خان الخليلي، قصر الشوق، القاهرة الجديدة، مصر القديمة..)، وجرجي زيدان ارتبط بالاسم التاريخي ارتباطا نهائيا (شجرة الدر، أرمانوسة المصرية، صلاح الدين الأيوبي، العباسة أخت الرشيد، عذراء قريش، فتاة القيروان..)، والعناوين الحضارية التي تبحث في جدلية الشرق بالغرب أمثلتها العربية كثيرة كـ“موسم الهجرة إلى الشمال” لطيب صالح، و“الحي اللاتيني” لسهيل إدريس، و“أيام باريس” لرينيه الحايك، و“بروكلين هايتس” لميرال طحاوي. في ين يبقى العنوان السياسي محتالا على الرقابة في الغالب، فيلجأ فيه الكاتب إلى التورية والمجاز والإيحاء، وهو عنوان رمزي موارب، فيكون في الغالب تجريديا أو رقميا، كما فعل جورج أرول في “1984”، وراي برادبري في “فهرنهايت 451”، على أن العنوان الرومانسي مكشوف ولا يحتاج إلى عناءات في التلقي كـ”قصة حب” لأريس سيغال، و”آنا كارنينا” لتولستوي، و”الحب في زمن الكوليرا” لماركيز وغيرها من الروايات التي وطّدت صلتها بالمتلقي العام عبر هذه الثيمة التي تستحوذ على القراءات في العادة. الآن أصبحت العناوين نصوصا جاذبة وعتبات نصية لا بد منها جماليا، باستثناء تلك العناوين التجارية التي تستهدف الناشئة والمراهقين بدعوى الرومانسية.. وهي كثيرة تكاد تزاحم العناوين الأصيلة. كاتب عراقيوارد بدر السالم

مشاركة :