أحوال الرواية العراقية بقلم: وارد بدر السالم

  • 11/23/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ظروف النشر في العراق تغيرت، بمعنى أنها انفتحت إلى آخرها مع استقرار العامل الاقتصادي وشيوع مظاهر السفر والعلاقات الثقافية وانتشار دور النشر، والطباعة في دور النشر العربية المهمة.العرب وارد بدر السالم [نُشر في 2017/11/23، العدد: 10821، ص(14)] في إشاراتنا المتكررة إلى شيوع السرد العراقي على حساب بقية الأجناس الأدبية؛ كتابة واقتناء ومتابعات ونقدا؛ إنما نؤشر على حالة أدبية اخترقت المشهد الثقافي العام بطريقة فجائية قد لا تخطر على بال أحد، لكنّ وقائع السياسة المتناقضة وما حملته من شعارات متحركة تبعا لظروف البلد السياسية ربما أوجدت مساحة جديدة للكتابة بعد اندثار عصر دكتاتوري كان يقبض على أنفاس الكتابة إلى حد كبير. لذلك باتت الموضوعة السردية هي الأكثر استحواذا على الوقائع الاجتماعية والسياسية برصيد كبير من الوثائق الأساسية والهامشية المعلنة والسرية، الرسمية والشعبية منها. وفي كل مرة نتناول هذه الموضوعة نشير بتأكيد إلى أنّ السرد الروائي العراقي الجديد يتشابه إلى حد بعيد بمعطياته الفنية المختلفة، وهو أمر مكشوف للقارئ والمتابع وأسبابه مقرونة بمسببات ظهوره وأولها إقصاء الرقيب الرسمي الذي كان عنصرا أمنيا قبل أن يكون ثقافيا، وليس آخرها الانفتاح الثقافي الواسع حياتيا وثقافيا وجماليا وبالتالي التحرر الكامل من كافة أشكال الضغط النفسي التي كان يواجهها الكاتب العراقي طيلة أكثر من ثلاثة عقود. معطيات السرد التي بدأت انفجارية جدا حتى وصلت إلى أرقام غير معقولة بدأت تنخفض بقياس النسب السنوية التي كانت عليها حتى قبل سنتين أو ثلاث، وهذا أمر كنا نتوقعه ونشير إليه صراحة بالرغم من التفاؤل الكبير الذي كنا نبديه أمام هذه الثورة السردية غير المسبوقة في الثقافة العراقية، لا سيما بظهور جيل روائي جديد بدأ يتنفس صحيا في أجواء أدبية سليمة إلى حد كبير وأخذت بعض أسمائه تترسخ تدريجياً مع الوقت بالرغم من احتشاد المكتبات العراقية بعناوين وأسماء كثيرة في مارثون السرد الذي انطلق من عام 2003 بطريقة غير ممهد لها. أسباب هذا التراجع معروفة ومدروسة أيضا كما يحدث في العقود الجيلية الجديدة التي تجد أوقات ظهورها في مناسبات معينة وفي الغالب سياسية أو حربية أو منقلبات مفاجئة تغير مسار الحياة في شتى نواحيها، كهذا الجيل الذي أوجدته ظروف زوال الحقبة الدكتاتورية وانفتاح الحياة الثقافية على آخر الأبواب التي كانت مغلقة. لكن أسباب الانحسار تُعزى في الغالب إلى استسهال الكتابة بشكل لافت للأنظار بشيوع جنس أدبي على غيره، وبتسيب فني أو حياتي أو ثقافي عام كما حصل عندنا بشيوع الكتابة الروائية على حساب القصة والمسرح والشعر، فقد انطلقت الكتابة الروائية بطريقة جماعية غير مرتّبة ولا ممنهجة وليس لها سند فني متأصل سوى أن الموجة السردية عمّت وشاعت فكتبها القاصي والداني من دون تحفظ ولا تهيب، حتى أنّ شعراء معروفين تركوا كتابة الشعر وكتبوا الرواية وأصدروها ضمن هذه الموجة التي اجتاحت الثقافة العراقية تماشيا مع موجات الكتابة السردية العربية التي هي أيضا تقع ضمن هذه الظاهرة المتولدة بعد ثورات الربيع العربي سيئة الصيت. لكن العراق كان أسبق بعد سقوط النظام السابق الذي – كما يبدو- مهّد الطريق للثورات العربية وانتفاضات الجماهير ضد حكّامها بالطريقة المعروفة، وهذا أمر تاريخي لا نزال نعيش وقائعه حتى اليوم. ظروف النشر في العراق تغيرت، بمعنى أنها انفتحت إلى آخرها مع استقرار العامل الاقتصادي وشيوع مظاهر السفر والعلاقات الثقافية وانتشار دور النشر، والطباعة في دور النشر العربية المهمة؛ وهذا أحد العوامل التي أسهمت بشكل مباشر في تسريع التأليف على حساب الفقرة الفنية التي شوّهت الكثير من المنتَج الإبداعي وجعلته في خانة الكتابات السهلة والمباشرة التي لا تصمد طويلا في حسابات البقاء الإبداعي، وهو أمر أشرنا إليه ونوهنا به وحذّرنا منه البعض الذي لا يمتلك إرثا أدبيا مسبقا، وبالنتيجة فإن الكتابة فن وجمال وليست “فزعة” قبلية وعشائرية. كاتب عراقيوارد بدر السالم

مشاركة :