تعج الأفكار التقليدية في جدول فعاليات عيد الأضحى المبارك بعدد من مناطق المملكة.. تكرار ممل في مناسبات الصيف السياحية أو إجازات الأعياد، هي الفعاليات نفسها لم تتغيّر غالباً، ليس لها مردود اقتصادي أو اجتماعي على العائلات والشباب والأطفال؛ لدرجة أن كلاً منهم بحث عن ضالته ووجدها في السفر إلى الخارج، ويبقى السؤال لماذا فعاليات العيد لدينا مجرد ملء فراغ فقط، ويشوبها التكرار والروتين الممل؟. وتركز الفعاليات والبرامج السياحية في بعض مناطق المملكة خلال أيام العيد على الترفيه، ومنها ألعاب الأطفال والمسرحيات التي تعتبر محدودة العرض والانتشار، بالإضافة إلى الألعاب النارية، بينما الابتكار الذي يعتبر من عوامل الجذب للسائح والزائر وأهالي المنطقة "معدوم"، فالشباب لم يجد ضالته، والعائلات تبحث عن "الخصوصية" والطفل لا تشبع رغباته الألعاب الكرتونية، فمناطق المملكة كل منها يتميّز بميزة تختلف عن الأخرى من حيث العوامل الطبيعية الجاذبة للسائح، إلاّ أن الفكر السائد هو "التقليد" في تنظيم الفعاليات والبرامج السياحية، بينما سقف الجمهور عالٍ وهنا تكمن المشكلة ويزداد "الهروب" السنوي للخارج. شارع الشباب! والشباب والشابات السعوديون يمتلكون الموهبة والإبداع عبر العالم الافتراضي "مواقع التواصل الاجتماعي" وفي حاجة إلى الدعم والتشجيع للانطلاقة الواقعية في تنفيذ برامج سياحية هادفة، إلاّ أنهم وجدوا ضالتهم عبر هذا العالم، ومنهم من لم يحصل على نصيبه من الفعاليات السياحية ينتظر عصر كل يوم مواقع "التفحيط والاستعراض بالسيارات"، الشباب لهم طابع خاص ومختلف عن العائلات، هم "الطاقة الكامنة" التي يجب التركيز عليها للحفاظ عليهم من مسرح "الشارع" الذي دائماً لا يحقق تطلعاتهم ولكن يحاولون أن يفرضوا تواجدهم فيه بالاستعراض أو بالصوت أحياناً. والمتتبع لحركة الشباب تجدهم "تائهين" في الشوارع وفي الواجهات البحرية، يبحثون عما يشغل وقتهم ولكن دون جدوى، وهذا ما يؤكده "فهد" بأن من أصعب الأوقات التي يقضيها الشباب هي أوقات الإجازات، تائهين بين الشوارع والمجمعات التجارية وأماكن التفحيط والاستعراض. وقال:"جميع الفعاليات تركز على الأطفال والعائلات ونصيب الشباب مفقود"، مضيفاً: "أين نذهب" كل شيء ممنوع، حتى المجمعات التجارية تمنع دخولنا، وتجدنا اكواماً أمام تلك المجمعات أو على الواجهات البحرية نستعرض بالسيارات ونحاول أن نقضي وقتنا بأي طريقة كانت. ورغم كل"الانغلاق"أمام الشباب، إلاّ أنهم يخلقون لأنفسهم الترفيه، ولكن إلى متى؟، فهناك مواهب شبابية تبحث عن شغفها في الاستعراض أو التفحيط، لماذا لا تخصص لهم الأماكن وتفتح الأبواب أمامهم للإبداع، بعيداً عن "الشوارع" والدوران بها دون فائدة. وعلّق "أحمد" -الذي يشغل نفسه في مشاهدة مقاطع "اليوتيوب" لبعض الشباب المبدعين-، قائلاً:"أجلس كل يوم هنا في الواجهة البحرية بالدمام، ليس لدي مكان أذهب إليه، فالمجمعات التجارية تمنع دخولنا بالرغم أن ماعندي "فلوس" أشتري فيها شيء، لكن على الأقل أقضي وقتي حتى يأتي وقت "النوم"، متسائلاً عن الجهات التي تخصص الفعاليات لماذا لم تخصص أماكن في الواجهات البحرية أو المجمعات تحقق تطلعات الشباب وتنمي مواهبهم، مبيناً أن هناك شبابا مبدعين يبحثون عن الإبداع والتسلية، وهناك شباباً لديهم القدرة والاستعداد لتنظيم فعاليات تفوق الفعاليات التي تنظمها بعض الجهات الحكومية، مطالباً بمنحهم فرصة التنظيم وسيشاهد الجميع التميّز. خصوصية العائلات وبينما هذا حال الشباب إلاّ أن العائلات ليس ببعيد، حيث تذهب إلى الأماكن المغلقة ولا تجد "الخصوصية" فيها، مطاعم يعمل بها عمالة أجنبية، بالإضافة إلى أماكن على الواجهات البحرية والشواطئ تشوه جماليتها الخيام أو الحواجز التي تحجب العائلة عن المارة، ثقافة المجتمع السعودي تختلف تماماً عن الثقافات في كثير من دول العالم، إذا كنا نبحث عن الخصوصية لماذا لم نفعلها في المشروعات التنموية في الواجهات البحرية والشواطئ؟، فأغلب العائلات تذهب إلى "البر" الفسيح لتأخذ راحتها في الحركة، ولكن ما نشاهده في الأماكن العامة خاصة على الواجهات البحرية (80%) منهم عوائل جاليات عربية، بينما العائلات السعودية تذهب إلى الأماكن المغلقة مثل المجمعات التجارية أو على الشواطئ البحرية التي تغلفها الحواجز لأخذ خصوصيتها في المكان. "عبدالمجيد الفايدي" -الذي قدم من الرياض بعائلته لقضاء إجازة العيد- يقول: "العادات والتقاليد تفرض علينا الخصوصية، نبحث عن الأماكن المخصصة للعائلات، فالواجهات البحرية فيها من الزحام والإزعاج والتشويه، وأحياناً نجلس في مكان ما ولكن العائلة لا تشاهد ما حولها بسبب الحواجز التي تضعها بعض العائلات لتأخذ خصوصيتها، فنذهب للمجمعات التجارية التي تحتاج إلى ميزانية للشراء"، مشيراً إلى أن الفعاليات في المنطقة الشرقية لم نجد فيها المتعة، إلاّ للأطفال نسبياً فهناك فعاليات كل يوم أحياناً تقام في الدمام ومرة أخرى في مدينة الخبر ومخصصة للاطفال ولكنها غير كافية، فالطفل أصبح لديه قدرات تفوق البرامج التي تنفذ، والألعاب الكرتونية حققت لهم الملل من التلفاز والأجهزة الذكية، ونبحث لأطفالنا الشيء المختلف الذي يشبع رغباتهم. تغييب المرأة! والمرأة كذلك مغيّبة عن الفعاليات السياحية والترفيهة، ولم تجد لها حضوراً في جانب الترفيه والمشاركة فيه؛ بسبب ما أفرزته الحياة الاجتماعية، وغياب الاستثمار النسائي المتخصص مثل الأندية النسائية أو الأماكن المخصصة للمرأة. وأغلبية الفعاليات التي دائماً تحت مسمى "العائلات" لا تمثّل الخصوصية التامة للمرأة، فالفتاة الشابة تحتاج إلى قضاء وقتها بكل خصوصية في أماكن متاحة ومهيأة لها وتديرها عناصر نسائية. والبرامج والفعاليات التي خصصت في الشرقية هذا العام لم نجد عبارة "للمرأة فقط" وإنما تحت مظلة العائلات التي تشمل الزوج والأبناء، وبسبب تغييب المرأة من قبل الجهات المنظمة للفعاليات، انتشرت في فترة ماضية ركوب شابات الدبابات في الشواطئ وأماكن النزهة والاستعراض بها وقوبلت بنقد ساخر من السماح لها، والسبب في ذلك بأنها لم تجد ملاذاً آمناً لقضاء وقتها بكل متعة وخصوصية بعيداً عن مضايقات الشباب!. غياب القطاع الخاص ويمثّل القطاع الخاص دوراً فعالاً في تحقيق التنمية السياحية، إلاّ أنه غائب عن المشاركة الحقيقية في تنظيم الفعاليات والبرامج السياحية، ويبحث فقط عن "الربح". وكان ردّ "داود العصيمي" –عضو مجلس إدارة شركة مارينا السياحية– بأن القطاع الخاص لم يجد الدعم والمساندة والتشجيع والحوافز لتشييد المنشآت السياحية غير الفنادق والشقق المفروشة، مشيراً إلى أن المستثمر يعاني من ارتفاع أسعار تأجير الأرضي في بعض المواقع السياحية كالواجهات البحرية أو الشواطئ، موضحاً أن القطاع السياحي في حاجة ماسة إلى التركيز على المنشآت الترفيهية التي تحقق تطلعات السائح. وأضاف أن اختلاف الجهود بين الجهات الحكومية كالأمانات وهيئة السياحة والقطاع الخاص في تنفيذ الفعاليات السياحية، خلق نوعا من الروتين والتقليد، وأصبح المواطن يبحث عن الجديد فيذهب إلى الخارج، والدليل على ذلك عدد السعوديين الزائرين لدبي في الإجازات القصيرة، مبيناً أن الأرقام التي تعلنها بعض الجهات عن عدد زوار الفعاليات كالألعاب النارية مثلاً أو العاب الأطفال وغيرها غير صحيحة؛لأن مدتها قصيرة جداً لا تتجاوز في أغلب الأحيان ساعتين في اليوم، مشيراً إلى أن دول الجوار مثل دبي والبحرين سحبت البساط ونوّعت النشاطات وحققت ما يصبو إليه السائح سواء السعودي أو غيره. وأشار إلى أن لغة الأرقام غير كافية لكي نظهر فيها "قوة الفعاليات" ونجاحها، مؤكداً على أن السوق السياحي السعودي بحاجة إلى "الجرأة "في تنفيذ الفعاليات التي تستقطب السائح والزائر، وتخرج العوائل من منازلها وهم متأكدون أنهم سيرون شيئاً مختلفاً، مبيناً:"حتى المطاعم العائلية العاملون بها أجانب"، متسائلاً لماذا لم تجد المرأة السعودية الخصوصية في كل مكان تذهب إليه؟. تقليد وروتين وبين "داود العصيمي" أن جميع الفعاليات التي تُنفذ تقليدية وروتينية وشاهدناها عدة مرات، حتى الطفل في الوقت الراهن يبحث عن الجديد، مشيراً إلى أن أغلب الألعاب الكرتونية التي تنفذها بعض الجهات مستهلكة وشوهدت آلاف المرات عبر الشاشة الصغيرة في المنزل "التلفزيون" أو الأجهزة الذكية، فالطفل يبحث عن الجديد الجاذب لشغفه. وقال إن إيجاد برامج سياحية تنمي مهارات الأطفال مطلب ملح، مستشهداً بأن الطفل يبحث أحياناً عن الجديد في عالم التقنية والإلكترونيات، متسائلاً عن عدم تخصيص فعاليات في مجال التقنية مثلاً أو فعاليات تنمي مواهب الأطفال؟، موضحاً أن جميع الفعاليات هي مجرد أغاني ورقص ومجسمات تتحرك ولكن دون فائدة، مطالباً بإعطاء الشباب السعودي الفرصة الأكبر في تنفيذ بعض البرامج. وأضاف لدينا شباب نجح عبر "اليوتيوب" وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ولهم قاعدة مشاهدين ضخمة، ويجب أن نمنحهم الفرصة لتأسيس كيان سياحي وندعمه ونشجعه، بالإضافة إلى تخصيص فرق إستشارية تعين الشباب على الإبداع وتوجههم للطريق الصحيح للنجاح عبر الواقع الفعلي وليس الافتراضي، مطالباً بتأسيس لجنة سياحية في كل منطقة من مناطق المملكة تضم مختصين حتى لو من خارج المملكة أو من الدول التي لها تجارب ناجحة في المجال السياحي، وتهتم هذه اللجنة في وضع معايير معينة لكل فعالية يتم تنظيمها وتدرسها جوانب فوائدها وسلبياتها، مشيراً إلى أن السوق السياحي يحتاج إلى نقلة نوعيه بعيداً عن برامج الاستعراض الكرتونية أو الألعاب النارية، فهي جزء من حزمة من البرامج المنوعة، ولا تعني كل شيء.
مشاركة :