أضواء خاطفة ومراوغة في"بيت بيروت" بقلم: ميموزا العراوي

  • 1/5/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أضواء خاطفة ومراوغة فيبيت بيروت افتتح معرض فني في “بيت بيروت” اللبناني ضم ثلاثة فنانين من أجيال عمرية وتوجهات فنية مختلفة، وهم الشاعرة والفنانة التشكيلية عفاف زريق، والمصوّر الفوتوغرافي نويل نصر والمهندس المعماري رامي صعب، وجاء المعرض تحت عنوان “أضواء مراوغة” قُصد به ما يمثل من تماس يصل أحيانا إلى حد الانصهار ما بين الفن التشكيلي والصورة الفوتوغرافية.العرب ميموزا العراوي [نُشر في 2018/01/05، العدد: 10860، ص(17)]ضوء متأرجح بين العتمة والضوء بيروت – جزء مهم من نجاح معرض “أضواء مراوغة” الذي يقام حاليا بقاعة “بيت بيروت” بالعاصمة اللبنانية بيروت، هو المكان الذي أقيم فيه، فـ”بيت بيروت” الذي هو في الأصل مبنى سكني تم بناؤه بين العامين 1924 و1936، مبنى يمثل ذاكرة بيروت المعمارية لأنه مزيج ما بين الفن العثماني والفن الحديث. وتحول هذا المبنى إلى متحف لذاكرة بيروت، وهو مركز ثقافي للفن الحديث يهتم باستقبال أعمال رسامين ونحاتين وموسيقيين وأدباء وشعراء، وقد استغرق تنفيذ الترميم ما لا يقل عن 7 سنوات بكلفة باهظة، تكفلت بتأمينها بلدية بيروت. ما يميز هذا المبنى/الصرح الذي عُرف باسم بمبنى بركات نسبة إلى العائلة التي كانت تقطنه قبل اندلاع الحرب اللبنانية، هو أنه حافظ على كل آثار الحرب من هدم وتخريب ورصاص وفجوات وكتابات وخربشات المحاربين، كما أقيم مبنى جديد من تصميم المهندس اللبناني يوسف حيدر، ملاصق له ويختصر مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية. واستقر معرض “أضواء مراوغة” للثلاثي اللبناني، وهم التشكيلية عفاف زريق، والمصوّر الفوتوغرافي نويل نصر والمهندس المعماري رامي صعب، في المكان المناسب له، كما تأثّر “بيت بيروت” بدوره بأجواء المعرض فضاعف من رمزيته. هكذا جاء مطابقا لما أراده مهندسه يوسف حيدر، حين قال “منذ البداية تعاملت مع هذا المبنى ككائن حيّ وليس كحجارة؛ عمره 90 عاما يعني عنده ذاكرة وتاريخ وطبقات وجروح وتجاعيد، لم أشأ أن أجري له أي تجميل بل سيبقى كما هو، حيث جُهّز وتُمّم لكي يستوعب الحركة التي سيضّج بها”. أما القيمون على المعرض، فقد قدموه بهذه الكلمات المقتضبة والمباشرة “أضواء مراوغة، هو تعبير يؤكّد أنّ كل لحظة هي مختلفة وعلى أنّه لا استمرار للضوء، هو عمل يحمل تناقضاته الخاصة متأرجحا بين العتمة والضوء، يصوّر العتمة على أنّها جسر للتفاهم وليست حاجزا دونه، والضوء على أنّه حافز يقود الناس إلى الداخل، وعندما يتبدّل الضوء وتتكشّف الطبقات، يبدأ النسيان”.(أضواء مراوغة) عنوان جاء تأكيدا على أن كل لحظة هي مختلفة وعلى أنه لا استمرار للضوء الحامل لتناقضاته الخاصة ويتألّف المعرض من تسع تركيبات أسطوانية الشكل، في قلب كلّ منها لوحة، ومغطّاة من الخارج بصور فوتوغرافية للمصوّر نويل نصر تنتقل من العتمة إلى الضوء وتختبر محادثة حميمة بين الرسم والصورة والتركيبة والمساحة المحيطة، وكلّما تحرّك المشاهد بين التركيبات التي تبدو شفّافة، يتجوّل في غابة حيث الضوء خافت، معا أو بمفرده، أي المُشاهد، فيواجه وحدته بحثا عن عمق الذات، و في داخل التركيبة أو في أعماق الذات، تتكشّف إنسانيته بكل تعقيداتها، فيسأل: “لماذا؟”. “تسع تركيبات أسطوانية الشكل”، توصيف دقيق جدا لما كانت عليه تلك “المُشيّدات” الهندسية، لكن ما ميزها ليس أشكالها المباشرة، بل “الضوئية” الغرائبية التي تجعلها أقرب إلى محطات/مركبات فضائية صمّمها بحساسية بالغة المهندس رامي صعب لكي تمكّن زائر المعرض من الانخطاف عبرها إلى أزمان أخرى. المعرض هو انخطاف أكثر مما هو مُساءلة، ولم يُبن نجاحه على كلمة استفهام بحجم “لماذا”؟ فهذه كلمة لا تزال من “المحرّمات” حتى بالنسبة لمكان هو متحف للذاكرة نخرت الحرب هيكله حتى بات هذا النخر كأنه ضرب من ضروب هندسة معمارية/قوطية/لبنانية. وربما لا تكمن القيمة الفعلية لهذا المعرض في أعمال عفاف زريق، بل في منطق هندسة العرض لرامي صعب وفي الخصوصية التصويريّة لنويل نصر. يُذكر أن الرسّامة والكاتبة عفاف زريق من مواليد 1948 ببيروت، وهي تستلهم أعمالها من الموسيقى والشعر المبنيين على التجارب العاطفية المتدرّجة بين الاضطراب القلق والقبول الراضي، أما المصوّر الفوتوغرافي نويل نصر، فهو أيضا من مواليد بيروت سنة 1978، ومعظم أعماله مستوحاة من تجاربه اليومية. يبقى الطرف الثالث والمُشارك في المعرض، ونعني هنا المهندس المعماري رامي صعب الذي ولد بدوره في بيروت سنة 1991، وهو حاليا يتابع دراسته للحصول على ماجستير من كلية بارسون للتصميم في نيويورك، ويهتم صعب بالتقاطع بين التفكير التصميمي وبين المحيط المديني المبني، مُركزا على علاقة التصميم والبناء بالمسؤولية الاجتماعية. ومعرض “أضواء مراوغة”، لا ينتهي بعد إقفال أبوابه: هل حدث فعلا؟ هل هو مبني على خديعة بصرية ما، وأضواء خادعة أم هي أضواء مراوغة ارتأت أن تومض ولا تشير إلى معقل الجرح؟ هل تصنعنا الذاكرة أم نحن من نصنعها، لا سيما إذا كنا أمعنا جماعيا بكتابة سيناريو نحن فيه مجرّد ضحايا للآخرين؟ هذه أهم الأسئلة التي يغادر بها زائر المعرض، وربما مع بعض الأسف على ما ضاع من زمن كان أجدر به أن يُنفق على الحب.

مشاركة :