لندن – القبس – خاص| تكشف الوثائق الحكومية البريطانية التي رُفعت عنها السرية بتاريخ (الجمعة 29 ديسمبر) في الأرشيف الوطني البريطاني، جانباً من الاتصالات التي سبقت تحرير الكويت من الغزو العراقي في بداية عام 1991، والمرحلة التي تلت ذلك بما في ذلك مشاكل إعادة الإعمار والترتيبات الأمنية في منطقة الخليج، وقضية المحتجزين والأسرى الكويتيين لدى النظام العراقي. وتغطي الوثائق حقبتَي حكم مارغريت تاتشر وخليفتها جون ميجور بين عامي 1990 و1991. وتتناول الحلقة التاسعة من سلسلة الوثائق البريطانية قضية برنامج الأسلحة النووية العراقية في أعقاب انتهاء حرب تحرير الكويت. وتكشف الوثائق معلومات سرية عن عمليات التفتيش التي قام بها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما تتناول بالتفصيل المحادثات البريطانية ـــــ الأميركية؛ تحضيراً لتوجيه ضربة للمنشآت العراقية، وتتحدث عن «صقور» في الإدارة الأميركية كانوا يضغطون من أجل توجيه «ضربة مزلزلة» (بيغ بانغ) ضد حكم صدام حسين، الذي تمكّن من الاحتفاظ بالسلطة، رغم التمرّد الواسع الذي شهده جنوب العراق (الشيعة) وشماله (الأكراد) عقب انتهاء حرب تحرير الكويت. ويقول مسؤولون بريطانيون في محاضرهم إنهم وجدوا اختلافاً كبيراً بينهم وبين الأميركيين في خصوص تحديد المنشآت التي يمكن ضربها في العراق، وقالوا صراحة إن بعض «فئات» المنشآت التي تريد واشنطن قصفها لا يمكن للندن القبول بضربها، لأنه لا يمكن تبريره قانونياً. بتاريخ 22 يوليو 1991، وتحت عنوان «سرّي»، تلقى رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور تقريراً عن البرنامج النووي العراقي قدمته «لجنة التقييم» في الحكومة (لم يحدد التقرير لأي جهاز تتبع اللجنة)، وتضمن الآتي: انتهت الجولة الثالثة من عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمنشآت النووية العراقية. لن يجهز تقرير كامل، على الأرجح، حتى نهاية هذا الأسبوع، لكننا حصلنا على تقرير موجز مؤقت من كبير مفتشي الوكالة يلخّص ما يعتبره أبرز النقاط التي نتجت عن جولات التفتيش الثلاث. منشأتان لتخصيب اليورانيوم هناك منشأتان كبيرتان لتخصيب اليورانيوم على نطاق واسع، وتبيّن أنهما مصممتان تصميماً تكنولوجياً من أجل الفصل الكهرومغناطيسي للنظائر المشعة. المنشأتان ليستا كاملتين، لكن تم نصب ثمانية أجهزة طرد في المنشأة الأولى في الطارمية، وكانت تعمل ـــــ يصف العراقيون عملها بأنه كان في إطار «اختبارات» ــــ منذ خمسة أشهر، أي اعتباراً من ديسمبر 1990. ولقد تم نزع أجهزة الفصل قبل وصول مفتشي الوكالة الذرية. منشأة الانتاج الثانية كانت في الشرقاط، ولم تكن كاملة سوى بنسبة 85 في المئة عندما تم تدميرها بالقصف. لا يُعتقد أن أجهزة انتاج كانت منصوبة فيها. كان هناك عدد غير محدد من أجهزة الطرد ــــ أو «وحدات التطوير» ـــــ موجوداً في التويثة. أعلن العراقيون (للمفتشين) أن ما مجموعه نصف كيلو غرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب تم إنتاجه. منشأتا الطارمية والتويثة لم يبلّغ العراقيون (الأمم المتحدة) بهما، لكن تم تفتيشهما بعد تحدّي (المفتشين) للعراقيين. لا نستطيع الآن أن نعطي تقويمنا لهذا التناقض الظاهر (بين ما يعلنه العراقيون وما وجده المفتشون). هذا مرتبط إلى حد كبير بأننا لا نعرف الدرجة التي تمكن فيها المفتشون من أن يقيّموا بأنفسهم المستوى الذي وصل اليه العمل في الطارمية والتويثة، بدل الاعتماد على المواد والمعلومات التي قدمها العراقيون. تقرير المفتشين يشير إلى أن التخصيب باستخدام أجهزة طرد مركزي تعمل بالغاز كان الأولوية الثانية للعراقيين. فقد حصلوا على نتائج اختبارات واعدة من خلال استخدام آلة (تخصيب) واحدة في التويثة. لكن المفتشين يحذّرون من أن الصورة الكاملة لبرنامج أجهزة التخصيب ربما لم يتم كشفها، رغم انهم لا يقدمون دليلاً على سبب شكهم هذا. تقديرنا هو أن ما كشفه العراق عن برنامج أجهزة الطرد المركزي غير كامل. بالاعتماد على ما نعرفه عن برنامج التسلح، فإننا نقدّر ان العراق لديه عدد أكبر بكثير – ربما أكثر من مئة – من جهازي الطرد المركزي الاثنين اللذين أعلن عن امتلاكه لهما في برنامجه للأبحاث والتطوير، لكنها (الأجهزة العديدة) لم تصل الى قدرات انتاج كبيرة لليورانيوم المخصب. سجل المفتشون أن المنشأتين المرتبطتين ببرنامجي تخصيب اليورانيوم تم الحاق اضرار أو دمار ضخم بهما، ولكن برنامج التخصيب لا يعتمد على مساعدة أجنبية والبنية التحتية الهندسية التي قام عليها ما زالت سليمة. معرفتنا غير كاملة معرفتنا بنتائج التفتيش الأخير لوكالة الطاقة الذرية ما زالت غير كاملة، وليست لدينا لائحة كاملة بما صرح به العراق للمفتشين. ولكن التقرير الأخير، بالإضافة الى ما نعرفه نحن من خلال عمليات التفتيش السابقة، يوحي بأن العراق لم يكشف شيئاً لم يتم ارغامه على كشفه. نعتقد (بالتالي) أن ما تم كشفه ما زال غير كامل، خصوصا في ضوء ما يلي: – ربما لم يصرّح بكل ما لديه من مواد انشطارية. – لم يصرّح بكل منشآته. – ربما لم يعلن عن كل برنامجه للتخصيب. – لم يكن صادقاً في ما قاله في خصوص برنامج أجهزة الطرد المركزي. – لم يقل شيئاً عن برنامجه لتصميم وتطوير مكوّن لديه قوة تفجير ضخمة يتم وضعه في سلاح (قابل للإطلاق)، وهو برنامج نعرف انه كان يتم العمل عليه من خلال نشاطات التسلح العراقية. الأعضاء الخمسة الدائمو العضوية في مجلس الأمن طلبوا من العراق أن يقدم كشفا كاملاً بقدراته في مجال اسلحة الدمار الشامل بحلول 25 يوليو. من المقرر ان تبدأ جولة جديدة من عمليات التفتيش في المنشآت النووية يوم 29 يوليو. خطط الطوارئ وفي تقرير آخر بتاريخ 25 يوليو 1991، مصنّف تحت خانة «سري»، وموجه إلى سكرتير رئيس الوزراء السيد جي أس وول، جاء ما يلي: لقد ذهبت مع ماريشال سلاح الجو (الملكي) السير كينيث هاير والسيد بيفين (من وزارة الدفاع) والسيد غولدين (وزارة الخارجية والكومنولث) لإجراء محادثات مع أكثر من جهاز (أميركي) في شأن خطط الطوارئ الخاصة بالعراق، يوم 25 يوليو. تمثّل الأميركيون بفريق قوي على مستوى رفيع: السادة كيميت، كلارك، كيلي وبولتون (من وزارة الخارجية)، والسيد هاس (من البيت الأبيض)، السيد روان (وزارة الدفاع) والجنرال سيوال (من هيئة الأركان المشتركة). الوزارات الأميركية الأساسية الثلاث (الممثلة في الاجتماع) أكدت أنها ترحب بمساهمة بريطانيا في الجزء الجوي من «قوة الردع» (التابعة للتحالف) في جنوب تركيا وفي القوة المنتشرة في السعودية من أجل مواجهة أهداف عراقية مرتبطة بالأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية. قدّم الجنرال سيوال إيجازاً عن الخطط الأميركية الخاصة بانتشار قوات التحالف – والتي تشمل مكوّناً بريطانياً جوياً. أشار الى ان الفرنسيين نشروا أربع طائرات ميراج في انجرليك مع أربع طائرات أخرى ستلحق بها نهاية الاسبوع. قال السيد هاس إن الفرنسيين يُظهرون الآن اهتماماً متزايداً بأن لا يكونوا خارج عملية (تدمير) أسلحة الدمار الشامل العراقية. في ضوء هذه الإشارة الصريحة، أجبنا بأننا يمكن أن ننشر 8 طائرات جاغوار في أنجرليك في دور هجومي مساعد بينها اربع طائرات لديها قدرات استطلاعية، ولكن بشرط الحصول على موافقة وزارية أولاً. لن تزود أي من الطائرات الـ 8 بذخائر دقيقة التوجيه. سنحتاج أيضاً إلى نشر طائرتي تزويد بالوقود من نوع «في سي 10» أو «فيكتور» من أجل دعم المهمة، في ضوء المسافة من قاعدة انجرليك الى الحدود العراقية. طائرات التزود بالوقود يمكن ان يتم نشرها في انجرليك او اكروتيري في قبرص. رحب الفريق الأميركي بهذا المقترح. في خصوص عملية (استهداف) اسلحة العراق النووية والبيولوجية والكيماوية، قلنا إننا، بشرط الموافقة الوزارية، يمكن ان ننشر 9 طائرات تورنادو «جي آر 1» بينها اربع طائرات مزودة بأجهزة توجيه الذخائر بالليزر (تيلاد). سنحتاج إلى نشر 3 طائرات للتزويد بالوقود من نوع «في سي 10». قال الفريق الاميركي ان هذه المساهمة ستكون مساهمة قيمة. أشار الجنرال سيوال إلى أن القوة بالاجمال يمكن ان تضم 256 طائرة، منها 151 طائرة هجومية، وهذا عدد اصغر بكثير من حجم الاسطول الذي نُشر في عاصفة الصحراء. سيقدم مسؤولو وزارة الدفاع اقتراحات إلى وزير الدفاع من أجل الحصول على إذن حكومي يغطي حزمة القوات لمسرحي العمليات. كان هناك اتفاق في شكل عام على أنه سيكون امراً حتمياً أن تتسرب معلومات الى العلن عن تحرك القوات وهذا الأمر يخدم في شكل ايجابي كونه سيشكل تحذيراً مفيداً (للعراقيين). ولكن في الوقت نفسه كان هناك إجماع على اننا نريد ان نتجنب التزاماً مفتوحاً بإبقاء القوات في المنطقة (إلى ما لا نهاية). وعلى رغم ان من المبكر الآن البدء بأخذ قرارات في شأن موعد الانسحاب، فإن الأسلوب التركي في التعامل مع موضوع قوة الردع من خلال منحها إذناً بالبقاء حتى 30 سبتمبر مع خيار التمديد 90 يوماً إضافية، هو اسلوب له حسناته. فترة الانتشار في السعودية أيضاً تتطلب تفكيراً أيضاً. قيود تركية أكد الفريق الأميركي، مثلما كنا نعرف، انهم يواجهون صعوبة كبيرة مع الحكومة التركية في شأن ترتيبات التمركز والعمليات. وزارة الخارجية (التركية) كانت متعاونة، ولكن قيادة الأركان العامة التركية كانت تضع شروطاً أحادية وتصعّب الأمور. لقد وضعوا سقفا على سلاح الجو الأميركي بـ 48 طائرة. تتعامل الحكومة الأميركية مع هذا القيد على أنه ينطبق ثنائياً فقط، أي أن طائرات التحالف ستكون إضافة (وليس من ضمن عدد الطائرات الأميركية). بناء على طلب الاميركيين، وافقنا على ان نتصل بالحكومة التركية من أجل نيل تصريح بنشر حزمة (أو سرب) من طائرات الجاغوار تُضاف الى السقف الموضوع على الأميركيين. ستدعم الولايات المتحدة طلبنا. فعل الفرنسيون الأمر ذاته. قال الفريق الاميركي انهم ربما سيحتاجون الى إعادة التفكير في مساهمتنا إذا ما أصر الأتراك على أنها تدخل ضمن العدد المحدد كسقف للأميركيين. قال الفريق الاميركي انه يرى ان المكوّن البري من قوة الردع لا يشكل إشكالية كبيرة، ولكن الأتراك ما زالوا غير موافقين كلياً على ترتيبات الانتشار والعمليات. لقد وضعوا سقفاً بـ 2500 عنصر من الكتائب المعززة. لم يتم بعد الوصول الى اتفاق بين التحالف في خصوص (من يقدم) بطاريات المدفعية. شدد الجنرال سيوال، مثلما كنا نعرف، على ان هذا العدد للقوة صغير ولا يمكنه القيام سوى بعمليات محدودة إذا لم يحصل على تعزيزات كبيرة. يصر الأتراك على إجراءات تصريح عملانية مشددة لكل من المكوّن الجوي والمكون البري. لاحظ الفريق الأميركي أن قرار مجلس الأمن 688 ليس محددا بالأكراد فقط، لكنه (الطرف الأميركي) لم يقم بعد بدراسة عميقة لتبعات استخدام القوات المتمركزة في تركيا والسعودية لحماية الشيعة في الجنوب. السعوديون ليسوا متساهلين المكوّن الأميركي من سلاح الجو المخصص لقوة أسلحة الدمار الشامل العراقية سيكون متمركزاً في الظهران. قلنا انه سيكون أمراً منطقياً إذا نشرنا مساهمتنا من طائرات التورنادو الى جانبهم في الظهران. كشف الاميركيون أن السعوديين ليسوا متساهلين في ترتيبات التمركز. يصرون على أن يتسلموا 96 بطارية باتريوت (في كل منها 8 صواريخ)، في حال قام العراقيون برد انتقامي، قبل ان يعطوا موافقتهم على ان تستخدم الطائرات الموجودة عندهم في عمل ضد الأسلحة العراقية النووية والبيولوجية والكيماوية. يمكن للحكومة الأميركية ان ترسل جواً ما يكفي من الباتريوت لحماية الرياض والظهران خلال فترة اسبوع. تفكر الحكومة الأميركية في دعوة سلاح الجو السعودي إلى المساهمة في القوة الهجومية. ريثما يقومون هم بالتفكر ملياً، طلبوا منا ان لا نطلب من السعوديين تصريحا بنشر حزمة التورنادو. أجبنا بأننا سنحتاج أصلاً إلى فترة أسبوع أو أكثر لترتيب حزمة الطائرات. ستكون هناك مشكلة إذا اتصلنا بمصنّع منصات الصواريخ الموجهة بالليزر «تيلاد» وتسرب هذا الأمر علنا قبل ان نكون قد اتصلنا بالسعوديين. ولهذا فإن على الحكومة الأميركية ان تعود لنا بجواب سريع. وافقوا على القيام بذلك. قيادة العمليات والسيطرة قوة الردع التابعة للتحالف في جنوب تركيا ستكون تحت قيادة القوة الأميركية لأوروبا (إي.يو.كوم) ومقرها في شتوتغارت بينما يكون قائد القوة في انجرليك. القوة التي ستتصدى لبرنامج اسلحة الدمار الشامل العراقية ستكون تحت قيادة القيادة المركزية الأميركية «سنتكوم» التي قادت عاصفة الصحراء. أكدنا ان هيكلية قيادتنا ستقوم على أن يتولى كومودور من سلاح الجو مهمة «كبير الضباط» في الظهران وعلى ان يكون «كابتن مجموعة» في انجرليك. تمت الموافقة على ان الولايات المتحدة ستتولى القيادة في تنسيق أخذ إذن العمليات لكل من القوتين مع الدول المستضيفة ومع بقية الحلفاء. عُرض علينا وعلى الفرنسيين منصب «ضابط تنسيق» في خلايا التخطيط في انجرليك والظهران. ستتابع وزارة الدفاع هذا الأمر بسرعة. وافقنا على اننا سنكون على اتصال وثيق عبر «الشبكة العسكرية» في خصوص قواعد الاشتباك وقيادة العمليات والسيطرة. قدمنا ورقة، حضّرها المسؤولون (البريطانيون)، في شأن التشاور المشترك. قال الأميركيون انها تتوافق مع طريقة تفكيرهم. قالوا انهم سيطلبون كالمعتاد اذنا بالعمليات من (قاعدة) دييغو غارسيا. قبل بدء الاجتماع سلمنا ورقة اعدها المسؤولون في خصوص الاطار السياسي للتوجيهات الوطنية إلى القادة (العسكريين). فسّرنا ان الورقة هي محاولة اولى في ضوء سابقة عاصفة الصحراء، واننا لم نحصل على تصريح بها بعد من الوزراء. أجاب الفريق الاميركي، بدرجات متفاوتة، بأن الوثيقة تضع قيودا كبيرة (على القادة العسكريين) بصيغتها الحالية، وانهم واثقون ان تشكيلة اوسع من العمليات المحتملة يمكن ان يتم تبريرها بموجب القانون الدولي كما يفسرونه هم. هذا أدى الى نقاش في شأن طريقة تفكير الولايات المتحدة في خصوص تحديد الاهداف والاستراتيجية الشاملة. وجدنا هنا، من دون استغراب، ان هناك فجوة كبيرة بين تفسير كل منا للمبررات بموجب القانون الدولي وتبعات ذلك على الدعم من الرأي العام ومن الامم المتحدة لتشكيلة الخيارات المستهدفة (بالقصف). خيارات الاستهداف في التقديم الذي بدأ به السيد كيميت، شدد على ان حكومة الولايات المتحدة تدرس التخلص من اسلحة الدمار الشامل العراقية بوسائل سلمية إذا كان يمكن تحقيق ذلك بهذه الطريقة. لم يتم اتخاذ قرارات باستخدام القوة أو شكل هذا الاستخدام اذا ما حصل. اضافة الى ذلك، صدام حسين سيلتزم فقط إذا واجه تهديداً باستخدام القوة (ضده). بالنسبة الى الموضوع المحدد في خصوص خيارات الاستهداف، كان واضحاً أن الحكومة الأميركية لم تأخذ أي قرارات بعد. كان هناك بعض الاختلاف في التشديد على الاهمية ضمن الفريق الاميركي، حيث كان ريتشارد هاس (البيت الأبيض) في موقع الصقور في الساحة (وبالتأكيد على بعض المسافة من اسلوب سكوكروف الأكثر حذراً). في أي حال، تم تقديم مظهر صريح لنا بالآراء المختلفة (ضمن الوفد الاميركي). لم نكن نتوقع نقاط اختلاف جوهرية في شأن سياسة الاستهداف لقوة الردع. وافقنا كلنا على ان هجوما عراقيا واسعاً على الأكراد سيكون الشرارة لبدء عمل جوي ضد القوات العراقية المهاجمة. قال الفريق الاميركي انه يرى هذا السيناريو هو الأسهل لكنه الأقل احتمالاً. المحتمل اكثر هو حصول سلسلة عمليات معزولة وغير علنية للجيش والشرطة العراقيين وهو ما لا يوفر سوى عدد محدود من الأهداف التي يمكن ضربها. كان الفريق الاميركي واضحاً انه في مثل هذه الظروف فإنهم ربما سيريدون شن ضربات جوية ضد وحدات الحرس الجمهوري وأهداف أخرى في عمق العراق، بالإضافة إلى «المنطقة الأمنية» (منطقة حظر الطيران في الشمال) من أجل ردع صدام عن شن مزيد من العمليات. أجبنا بأن هجمات في عمق العراق وعلى مسافة بعيدة من المنطقة الأمنية وضرب اهداف لا علاقة لها مباشرة بالهجمات ضد الأكراد ربما ستسبب مشاكل بموجب القانون الدولي من وجهة نظر انها غير متكافئة وليس لديها ارتباط مباشر بالمهمة الإنسانية. لم نفاجأ كثيراً باكتشاف الاختلاف بيننا في شأن الأهداف الخاصة باسلحة الدمار الشامل العراقية (الاسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية). أخبرنا الفريق الاميركي أن لديهم أربع فئات في ذهنهم: المنشآت المعنية مباشرة بكل الانواع الأربعة من اسلحة الدمار الشامل (النووية والبيولوية والكيماوية والصواريخ)، منشآت الدفاع الجوي وأنظمة الدفاع الجوي، مراكز القيادة والسيطرة الوطنية، أهداف عقابية هدفها ارغام العراقيين على الخضوع. قلنا ان لا مشكلة لدينا في الفئة الأولى بشرط تطبيق القيود المعتادة في خصوص تجنب الاضرار الجانبية، وقدرتنا على الاظهار علنا أن هذه المواقع كانت جزءا من برنامج الاسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية. فئة التصنيف الثانية ربما تكون ايضا مقبولة اعتمادا على طريقة تعريفها. اما التصنيف الثالث فإنه لا يدخل ضمن توصيفنا لما هو مقبول، إلا إذا استطعنا أن نُقنع بأن مثل هذه الهجمات يمثل ضرورة عسكرية كجزء من الهجمات على اسلحة الدمار العراقية، عوض ان تكون محاولة للتخلص من صدام. التصنيف الرابع يبدو بعيدا كلياً عن تفكيرنا في ما يمكن تبريره قانونياً أمام الرأي العام. كان هناك اتفاق في شكل عام على اننا لا يمكننا ان نترك هذه المسألة بلا حل، كأن يضرب الاميركيون اهدافهم ونحن نضرب اهدافنا. مثل هذا الأمر سيخزن مشاكل في المستقبل وسيؤدي الى مشاكل صعبة (للحكومة البريطانية) أمام مجلس العموم. رأى الفريق الاميركي ان هناك خيارا صعباً يجب ان يؤخذ بخصوص استراتيجيتين مختلفتين في شأن الضربات للأسلحة النووية والبيولوية والكيماوية العراقية. الأول، القيام بهجوم استعراضي ضد هدف محدد أو مجموعة اهداف مرتبطة بخروقات العراق، يتبعه إذا كانت هناك ضرورة تصعيد عبر سلسلة هجمات اضافية. ثانياً، ضربة واحدة مزلزلة (بيغ بانغ) تغطي اصنافا واسعة من الاهداف في بعض أو كل من الفئات الاربع. هذه الضربة (من النوع الثاني) يمكن ان تشن عقب انتهاك عراقي محدد او عندما يقرر التحالف ان العراقيين في خرق متعدد لا يمكن اصلاحه لقرارات مجلس الأمن. التفكير الاميركي بدأ بتفضيل الخيار الاول لكنه مال أكثر الى الخيار الثاني، على أساس اننا لن نستطيع سوى القيام بمحاولة واحدة لتوجيه ضربة الى الأهداف العراقية لأن ضغط الأمم المتحدة والرأي العام سيجعل تصعيد الضربات أمراً مستحيلاً كما ان المفوضية الخاصة (لنزع اسلحة الدمار العراقية) ستكون مترددة في الذهاب معنا مجدداً إذا رأوا ان هجمات جديدة ستتلو (الهجوم الأول). أشار ريتشارد هاس إلى أنه يرى أن هذه الاستراتيجية ستطبق «بالتأكيد قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة» (في سبتمبر). خلصت وزارة الخارجية الأميركية إلى أنهم يحتاجون إلى تحضير «ورقة بيضاء» تحدد تاريخ خداع العراقيين وخروقاتهم لقرارات مجلس الأمن ومعاهدة منع انتشار النووي (أن بي تي). هذا الأمر سيحتاج إلى تحديث داخلي كي يمكن عرضه خلال مهلة قصيرة. وافقوا على أن يعرضوا علينا المسودة. سلامة المفتشين بناء على اقتراحنا، ناقشنا الحاجة إلى تحضير خطط طوارئ من أجل سلامة فريق المفتشين ومواطنينا في مناطق مختلفة من العراق إذا ما قررنا ان نبدأ عملاً عسكرياً سواء انطلاقاً من تركيا أو السعودية. اتفقنا على ضرورة ضمان ان يكون افراد المفوضية الخاصة بعيدين عن (موقع) أي هجوم ولا يتم أخذهم رهائن على أيدي العراقيين. هذا الأمر قد يتطلب خطط اجلاء سريعة باستخدام الطائرات المروحية الألمانية وغيرها من الطائرات. الخلاصات أثبتت هذه الاجتماعات أنها جاءت في وقتها وكانت مثمرة. غطّينا مواضيع كثيرة في خصوص الاسئلة العملانية، والتي سيتم نقلها من قبل مسؤولي وزارة الخارجية ووزارة الدفاع لنيل موافقة وزارية عليها. في المناطق التي لم يمكننا ان نتوصل الى تعريف واضح لنيات الولايات المتحدة، اقمنا نقاط اتصال لمتابعة العمل عليها. في الوقت ذاته، اكتشفنا اختلافاً واسعاً في اسلوب انتقاء الاهداف، لا سيما في مجال اسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية العراقية، ولكن أيضاً في خصوص قوة الردع. سيقدم لنا الأميركيون تعليقاتهم على ورقة الإطار (السياسي) التي قدمناها لهم، وهو ما يمكن أن يقلّص (نقاط الاختلاف) قليلاً، وسنكون على اتصال مباشر مع واضعي الخطط العملانية من قبلهم عبر الشبكة العسكرية. الخلافات يمكن ان تتقلّص متى ما بدأت القيادة الأميركية النظر في التبعات السياسية والقانونية. حجم قوة التدخّل ضد اسلحة الدمار الشامل العراقية سيفرض حدوداً لما يمكن القيام به، خصوصاً إذا كان الأمر عبارة عن عملية واحدة. على رغم ذلك، فسنواصل الضغط على الأميركيين من أجل الحصول على رد سريع جدّاً، إذ ان علينا على الأقل الاتفاق على فئات تصنيف الأهداف المشروعة في شكل يسبق بدء العمل العسكري. اعتماداً على سرعة الحصول على الرد، ربما علينا ان نقرر ما اذا كنا سننشر قوات في السعودية من دون ان نكون قد حققنا الرضا الكامل في خصوص فئات الأهداف (التي سيتم ضربها). الحلقة العاشرة: سعد العبدالله: بقاء صدام يجلب مزيداً من المشاكل
مشاركة :