علاقات الصداقة تنحرف عن مسارها القيمي بقلم: عبدالستار الخديمي

  • 1/7/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هل أصبحت علاقات الصداقة تُعقد من أجل الانحراف وتقويض السائد والمألوف من القيم؟ هل أصبحت هذه الصداقات تمثّل عبئا ثقيلا على كاهل كل الأولياء؟العرب عبدالستار الخديمي [نُشر في 2018/01/07، العدد: 10862، ص(21)] بات جليّا في مجتمعاتنا وداخل أسرنا أن نعايش بعض الظواهر الناتجة عن مآلات الصداقة وارتداداتها النفسية والمادية على المراهقين والشباب عموما، وما يترتّب عن ذلك من ضغوط تسلّط على الأسر بوصفها الحواضن النفسية والمادية لهؤلاء الشباب خاصة في مراحل طفولتهم ومراهقتهم. والصداقة أضحت من المواضيع المثيرة للجدل والسجال بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وهذا الجدل ليس ثرثرة لملء أوقات الفراغ، بل هو ضرورة حتمية فرضتها السلوكيات اليومية لهذه الفئة من الناس. فالصداقة من أنبل القيم الاجتماعية والحضارية عموما، ولذلك اخترنا تعريفا لها من منظور علم النفس، متعمّدين هذا التوجه لأننا نروم القيام بمقاربة نفسية واجتماعية لنتائج الصداقات بين فئات الشباب خاصة، فالصداقة من هذا المنطلق “تؤدي وظيفتين أساسيتين؛ الأولى هي خفض ملامح الوحدة ودعم المشاعر الإيجابية، عبر المقارنة والمساندة النفسية والمادية. أما الثانية فهي الإسهام في عمليات التنشئة الاجتماعية عبر اكتساب المهارات والقدرات والسمات المرغوب فيها اجتماعيا”. عادة العائلات والمحيط الاجتماعي الذي تتواجد فيه، هما المحددان الرئيسيان لطبيعة الصداقات التي يعقدها المراهقون والشباب مع أقرانهم، ما يعني أن الصداقة سلوك اجتماعي مكتسب. لا يمكن أن ننفي أن هناك صداقات جميلة ومعمّرة وليست عابرة، تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون خاصة في الأوقات العصيبة والتضحية والودّ والتناصح في ما ينفع والتحذير مما يضرّ. وهذا النوع من علاقات الصداقة يبرز الوجه المشرق للفضاء الأسري والاجتماعي الذي استطاع أن يرسي منظومة أخلاقية وقيميّة راقية وفاعلة. طرح الموضوع في حدّ ذاته ليس ترفا فكريا بقدر ما هو استجابة موضوعية لما نشاهده في أسرنا ومجتمعاتنا من ظواهر سلبية تنخر منظومتنا الأخلاقية وتتسبب في مشكلات لا حصر لها وهي في مجملها ناتجة عن علاقات الصداقة تحديدا. حيث أضحى البعض من الشباب اليافعين يأتون تصرفات وسلوكيات تنتهي في أغلبها بكوارث أو جرائم. جرت العادة أن يكون أصدقاء أبنائنا أصدقاء لعائلاتنا أيضا، وذلك أن الأسرة تصبح طرفا “راعيا” أو “مراقبا” أو “مرافقا” لهذه الصداقة، ولعل البعض من الآباء يتعسفون على أبنائهم فيسعون إلى اختيار أصدقاء لهم وفق ما يعتقدون بأنه يمثل حماية لهم. ولكن الأمر تغيّر بشكل كبير وأصبحت علاقات الصداقة تُعقد خارج الأطر الأسرية بل يقع إخفاؤها عمدا عن الآباء والأمهات، والسبب بطبيعة الحال معلوم بما أن المراهقين والشباب هم أكثر وعيا بتداعيات العلاقات نفسيا وسلوكيا وماديا، ومع ذلك يتمادون في السير في نهج “الانحرافات” بجميع أشكالها. صداقة اليوم صداقة مصلحة تغلب عليها الانتهازية. ولكن الأمر يصبح أكثر خطورة إذا خرجت الصداقة عن إطارها الاجتماعي وفق فلسفة القيم السائدة عبر الأجيال، فيتصادق شبابنا من أجل الإدمان على التدخين والكحول والمخدرات بجميع أنواعها، ويلتقون من أجل التشارك في تنفيذ عمليات سطو وسرقة واعتداء على حرمات أملاك الناس، وقد يصل الأمر إلى أخطر من ذلك مثل عمليات الاغتصاب والعنف المادي الشديد والذي قد يقود إلى القتل. هل أصبحت علاقات الصداقة تُعقد من أجل الانحراف وتقويض السائد والمألوف من القيم؟ هل أصبحت هذه الصداقات تمثّل عبئا ثقيلا على كاهل كل الأولياء؟ من الطبيعي أن يكون تأثير الشباب في بعضهم البعض سريعا ودون مقاومة، في الحالتين؛ الإيجابية والسلبية. هذه الفئة من الناس تتميّز بالحركية وحبّ الاكتشاف والاطلاع، وتسعى إلى الاستقلالية النفسية والذهنية والمادية. ولذلك فالمراهق أو الشاب يتأثر سريعا بما يأتيه أصدقاؤه من سلوكيات، فينساق معهم دون تفكير أو إعمال للعقل، فيمارس ما يمارسون من التصرّفات التي أصبحت ضارّة بالقيم وبالأملاك وبالأنفس. وشيئا فشيئا يزداد انغماسه في ذلك إلى حدّ الوصول إلى الإدمان الذي لا يقتصر على التدخين والكحول والمخدرات، فحتى العنف بجميع أشكاله والسرقة والسطو وارتكاب الجرائم، تصبح إدمانا خاصّة إذا كانت تُرتكب جماعيا في إطار علاقات الصداقة. بهذا المعنى تصبح الصداقة نقمة لأولادنا، وخاصة إذا كانوا من مرتادي المدارس والمعاهد والكليات، لأنهم -بسلوكياتهم التي ذكرنا- سينقطعون حتما عن مواصلة دراستهم، وقد يصبحون في ليلة وضحاها من أصحاب السوابق. هذه الظواهر على خطورتها، بالإمكان التصدّي لها أو على الأقل التقليل منها. ويسند الدور الرئيسي في ذلك إلى الأسرة لأنها التي ستعلّم أطفالها التمييز بين الخطأ والصواب، كما ستعلّمهم كيفية اختيار الأصدقاء وفق معايير قيميّة اجتماعية تراعي النسق العام للعيش المشترك بين جميع الأفراد وجميع الفئات والشرائح وبقطع النظر عن مستواها الاجتماعي والمادي. أما المجتمع فهو أيضا مسؤول عن تأطير هؤلاء الشباب وجعلهم ينخرطون في نشاطات ثقافية وجمعياتية تهذّب أذواقهم وسلوكياتهم، وعليه لا بد من الاستثمار الجيد في الشريحة الشبابية لأنها تمثل المستقبل. وقد تثمر الصداقات علاقات اجتماعية تتأسس على الإيخاء والتسامح والتعاون والحب، وتجذّر الانتماء الوطني ومفهوم الوطنية. وبذلك يكون الشباب الأداة التي بواسطتها يتطوّر المجتمع نحو الأفضل. كاتب تونسيعبدالستار الخديمي

مشاركة :