بماذا نبدأ لنثبت الاستقرار والأمن المستدام في الخليج كله؟ هناك مستلزمات أمنية مشتركة للقضاء على تهديدات عدم الاستقرار، تتطلب من كل دولة إجراءات أمنية احترازية وقائية: منها استمرار التصدي للخلايا الإرهابية المستترة, ومنع وتجريم كل الممارسات العامة والخاصة التي تدعو للإقصائية والتفرقة الفئوية, أو تدعمها بصورة مباشرة أو غير مباشرة ماديًّا أو معنويًّا، وأن يشدد على التصدي لجرائم العنف والتحرش والفساد، وتطبيق وتنفيذ الأنظمة بحزم كالمرور والأمان الأسري والاستقدام والتستر. وفي إطاره الإقليمي والعالمي تتطلب أوضاع الجوار الخليجي الحالية إعادة ترتيب الأولويات لاستدامة ترسيخ الاستقرار مستقبليًّا. فمثلاً بينما تستمر الإجراءات الردعية لمواجهة تداعيات الصراع بين الحكومة اليمنية الشرعية والانقلابيين الحوثيين, وتستمر الحاجة لحشد تحالف دولي للدفاع, ومنع الاعتداءات عبر الحدود على المدن السعودية بتخطيط من ملالي إيران, وتسليح وتدريب وقيادة الحرس الثوري الإيراني.. إلا أننا ونحن نقترب من نهاية الصراع الدامي يتوجب التأهب لحقبة التأهيل وإعادة البناء. مما استجد سياسيًّا في عام 2017 تأزم علاقات دول مجلس التعاون الخليجي, وقرار السعودية والإمارات والبحرين مقاطعة قطر لعدم تنفيذها وعودها السباقة بالتوقف عن التدخل في شؤون جاراتها ودعمها، واحتضانها الإرهاب ماديًّا وإعلاميًّا. قطر حتى الآن خارج إطار الوفاق العام ملتجئة لمساندة إيران وتركيا لوجستيًّا. وضع لا يمكن أن يستمر، ولا بد من حل. ومن المستجد اقتصاديًّا تغيُّر السياسة الاقتصادية استعدادًا لعصر ما بعد النفط, واعتماد استراتيجية جديدة، توقف انفراد الحكومة بتحمُّل مسؤولية الصرف معتمدة على النفط كمصدر رئيسي للدخل, وتستحث قيام المواطن والقطاع الخاص بدور المشاركة الفاعلة. ولكن الشد بعد الرخاء صعب التقبُّل. وآخر ما استُجد جاء في الساحة الإيرانية بخروج الجماهير في الشوارع بمظاهرات حاشدة في 70 مدينة, بما في ذلك العاصمة طهران ذاتها, معلنين معاناتهم, ورافضين استمرار سياسة النظام رسميًّا في رعاية ودعم انقلابات وثورات الجوار بالمال والرجال, بينما يعاني الإيرانيون الغلاء والبطالة والجوع. ورغم أن أحداث إيران مسألة داخلية خاصة بها إلا أن تداعياتها – سواء نجاحًا بتغيير النظام أو سياسة الملالي في تصدير الثورة, أو فشلاً إن استطاع النظام قمع المتظاهرين – ستؤثر على مستقبل استقرار الجوار؛ إذ ترتبط المطالبات بإيقاف الدعم للحشد الشعبي في العراق ولنظام بشار في سوريا ولحزب الله في لبنان ولحماس في غزة وللحوثيين في اليمن. رأيي الشخصي إن الوضع في إيران لن يسمح بتكرار فرض السيطرة بالقوة؛ فقد أصبحت المعارضة معاناة حيوية دائمة, لا مجرد شرارة تومض مؤقتًا عند الانتخابات مسجلة موقف خلاف بين فريق الإصلاحيين وفريق المتشددين, كلاهما ينتمي لطبقة نخبوية مرتاحة ماديًّا, ثم تنطفئ، بل أمست مشاعر الغضب نارًا تلتهب مستعرة في غالبية الشعب المهمش بكل مكوناته رجالاً ونساء؛ إذ تعاني الأُسر الغلاء والجوع وفساد وجور الملالي والحرس الثوري الذي يحميهم؛ فتجتمع على رفض النظام القائم وممارساته داخليًّا وخارجيًّا. سأعود لمواصلة الموضوع في حوارنا القادم ——————————————————– ثريا العريض الجزيرة
مشاركة :