عندما لا تكون هناك استجابة لصدى الإعلام وتأثيره على الفرد والمجتمع والمؤسسة والدولة يكون هناك إخفاق للإعلام ووظيفته في المجتمع. والإعلام يسعى بذاته إلى أن يصل بأهدافه إلى غاياته الكبرى، ولكن السؤال هو هل الإعلام غاية أم وسيلة؟ وكثير من الدول النامية تضع الإعلام غاية بذاته، فكما أصبح لها علمًا، وأصبح لها سلامًا وطنيًا، أرادت تلك الدول أن يكون لها إذاعة ومحطة تلفزيون وصحيفة يومية، مثل باقي الدول الأخرى. وهذه الغاية في مجرد امتلاك مثل هذه الوسائل هو ما قد يؤدي إلى إخفاق الإعلام في تحقيق غاياته ووظائفه وأهدافه. وإذا نظرت الدول إلى الإعلام كغاية، فقد حكمت عليه بالفشل لكون الوصول إلى تحقيق هذه الغاية هو مجرد وصولها إلى امتلاك مبانٍ وتجهيزات وكوادر، وأصبح البث والتوزيع هو المخرجات التي تسعى لها تلك الدول أو الوزارات من الوصول إلى الجمهور من المواطنين. وقد يعتقد البعض أن مجرد البث التلفزيوني على مدى أربع وعشرين ساعة أو تعدد القنوات، ووصول الصحف اليومية مواطني الدولة هو النجاح الذي يمكن أن تجنيه تلك الدولة من مثل هذا الظهور الإعلامي. إن الإعلام هو وسيلة، ولا يمكن أن يكون غاية، وهذا ما تسعى إليه كثير من الدول المتقدمة، فعندما يكون الإعلام وسيلة، يعني أن من المناط به أهداف كبرى في المجتمع، والإعلام هو وسيلة لتحقيق تلك الأهداف. وإذا آمنا بأن هناك قناعات لأن يكون الإعلام هو وسيلة، فكيف لهذه الوسيلة أن تحقق الأهداف الكبرى في المجتمع. وكثير من المؤسسات الإعلامية في المجتمعات العربية والنامية بشكل عام لا تدرك أهمية «الإعلام كوسيلة»، وإذا أدركتها فلا توجد لديها الرؤية لتحقيق ذلك الهدف. وإذا أردنا أن نطور جهازًا إعلاميًا أو مؤسسة صحافية أو غيرها من المنافذ الإعلامية، فلا يجب أن نبدأ من الشكل والديكور واللوجو والإخراج الفني، فهناك أسئلة مهمة جدا يجب أن نبدأ الإجابة عليها قبل أن نخطو الخطوة الأولى، ومن هذه الأسئلة سؤالان أساسيان: 1- هل لدى القائمين على المؤسسات الإعلامية معرفة بالإهداف الكبرى في المجتمع؟ وهذا سؤال محوري جدا، فكثير من الأشخاص في المؤسسات الإعلامية لا يدركون تلك الأهداف لأنها لم تناقش قط في أي يوم بين القائمين على المؤسسات الإعلامية وبين القائمين على الشأن العام في المجتمع. ولهذا فإن البدء من الأهداف الكبرى في المجتمع هي المقياس الأساسي والأول لاستيعاب الإعلام دوره ووظيفته كمحرك ومحفز للأهداف الكبرى في المجتمع. 2- والسؤال المهم الثاني، هو أين مكانة الإعلام بين المؤسسات المجتمعية، وبمعنى آخر هل يقبع في آخر الصفوف أم في مقدمتها؟ وهنا نوضح أن الإعلام يجب أن يكون متبوعًا وليس تابعاً، ويجب أن يكون فعلاً وليس ردة فعل، ويجب أن يكون استباقيًا للأحداث وليس تالياً لها. هنا ينبغي على قادة الشأن العام في كل المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية أن يضعوا الإعلام أولا في تفكيرهم وقراراتهم وسياساتهم وبرامجهم. وكثير من الدول النامية تضع الإعلام لاحقا لتلك القرارارت والسياسات، فالحكومات تطلق السياسات، ثم تطلب من الإعلام أن على أن يبدأ عمله. ولهذا تأتي جهود الإعلام منقوصة وغير مكتملة ولا تحقق أهداف السياسات الكبرى. وإذا أخذنا فقط مجرد مثال بسيط، فالمؤسسات السياسية في الدول الكبرى تعطي وسائل الإعلام وشخصيات معينة منها تمهيداً وتهيئة لما سيصدر من سياسات، وتعطيهم كذلك معلومات وخلفيات أساسية تساعدهم على استيعاب مضمون وتداعيات تلك القرارات، وهذا غير ما يحدث لدينا، فإلإعلام يأتي تالياً لكل شيء. وبناء على ما تقدم، فلدي روح متشائمة نحو جهود تطوير أي وسيلة إعلامية إذا لم تبدأ من مناقشة هذين السؤالين المحوريين في الدفع بالإعلام نحو تحقيق أهداف المجتمع الكبرى ورفع مستوى التمثيل الإعلامي في المقامات الكبرى في المؤسسات المجتمعية.
مشاركة :