بات من الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قررت اعتماد «القضم المتدرج» لمفاعيل الاتفاق النووي مع إيران، بدلاً من إلغائه دفعة واحدة. فقد منح ترامب ذلك الاتفاق «مهلة أخيرة»، لكنه طالب حلفاءه الأوروبيين و«الكونغرس» بالعمل معه لإصلاح «عيوب مروعة» فيه، وإلا فإن بلاده ستنسحب منه. ويريد ترامب تشديد الاتفاق النووي بإبرام اتفاق ملحق به خلال 120 يوماً، وإلا فستنسحب الولايات المتحدة فردياً منه. ويوضح مسؤول أميركي أن هذه السياسة قد تكون تستهدف أيضاً شركاء الولايات المتحدة أنفسهم في هذا الاتفاق، بعدما تمكن ترامب من نزع الشرعية عنه لناحية شروط التزام واشنطن به، وعبر تحويل مطلب تحسين شروطه أمراً مقبولاً، أو على الأقل قابلاً للتفاوض، سواء بالنسبة إلى سرعة امتلاك إيران القدرة على تطوير سلاح نووي بعد انقضاء مدة الاتفاق، أو لناحية القبول بمبدأ فورية فرض عقوبات جديدة عليها إذا تبين أنها تخل بتطبيقه. لكن الإنجاز الأكبر في رأي هذا المسؤول هو قبول الحلفاء الأوروبيين مبدأ محاسبة إيران ومساءلتها عن تطوير صواريخها البالستية، والعمل على محاسبتها عن أنشطتها المزعزعة للاستقرار وتدخلاتها في المنطقة. ويضيف أن الولايات المتحدة تعلم تماماً مدى تعلق الأوروبيين بهذا الاتفاق، بعد «فورة» العقود التجارية والاقتصادية الموعودة لشركاتهم المتعطشة لسوق واعد، وذات إمكانات ومصادر ثروة هائلة، ليس في مجال النفط فحسب، بل في كل المجالات. لكن هذا الأمر قد يتحول إلى سلاح ذي حدين إذا لم يحسن الأوروبيون استخدامه في علاقاتهم مع إيران والمنطقة، وخصوصاً أنهم باتوا على دراية واسعة بسياسات واشنطن الجديدة تجاه النظام الإيراني، في وقت ستتصاعد الإجراءات والضغوط الأميركية على إيران لإجبارها على تعديل سياساتها في المنطقة، وخصوصاً دعمها للجماعات المسلحة، لاسيما ميليشيا «حزب الله» الذي نال أخيراً حزمة وافرة من القرارات السياسية التي تستهدفه من الكونغرس الأميركي. وبحسب المسؤول أعلاه، فإن إدارة ترامب مقتنعة بأن الوضع داخل إيران مقبل على تطورات سياسية إضافية، وخصوصاً أن حزمة العقوبات الجديدة التي أقرتها وزارة الخزانة الأميركية، أمس الأول، من شأنها أن تبعث برسالة قوية إلى طهران، وستترك أثراً كبيراً على أجسام وكيانات إيرانية كبيرة مسؤولة عن قمع الإيرانيين. ويقول المسؤول إن «فترة السماح» الإضافية والمشروطة التي أعطيت للاتفاق النووي ستكون فترة اختبار لكل الأطراف من جانب إدارة ترامب التي قد تلجأ في نهاية المطاف إلى تطبيق وعودها الانتخابية في هذا المجال، مثلما طبقتها في قضية القدس. وفي طهران، رفضت وزارة الخارجية الايرانية إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، مشددة على أن طهران لن تقبل بتغييرات ولا التزامات جديدة. وعلقت «الخارجية» على قرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات تستهدف 14 كياناً وفرداً إيرانياً، بينهم رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، الحليف الوثيق للزعيم الأعلى علي خامنئي، بأن «عمل نظام ترامب العدائي ضد لاريجاني تجاوز جميع الخطوط الحمر للسلوك في المجتمع الدولي، ويمثل انتهاكاً للقانون الدولي، وسترد عليه بالتأكيد الجمهورية الإسلامية بجدية». على صعيد آخر، طالب سفراء 54 دولة إفريقية في الأمم المتحدة، في بيان شديد اللهجة، الرئيس ترامب بـ«التراجع» و«الاعتذار»، بعد تصريحات منسوبة له تناقلتها وسائل إعلام، وتضمنت عبارات مسيئة حول الهجرة، إذ وصف فيها بعض بلدان المصدر بأنها «أوكار قذرة» (حثالة الدول).
مشاركة :