الفنان التونسي نجيب بلحسن إلى مصر في عام 2014 تاركا خلفه سنوات من العمل كـ”مقدم إعلانات” وكممثل لديه تجارب محدودة، باحثا عن إثبات قدرته التمثيلية. ويحلم الممثل الشاب أن يسير على خطى أبناء موطنه الذين اقتحموا مجال التمثيل في مصر بكثرة، مراهنا على ملامحه الأوروبية التي جعلته يستشعر سرعة نفاذه إلى الوسط الفني، وسرعان ما اكتشف أن نقطة البداية هذه لن تصلح منفردة لتكون جواز المرور نحو عالم النجومية. ويشارك بلحسن في بطولة فيلم “طلق صناعي” المعروض حاليا في دور السينما مع الفنانة حورية فرغلي وماجد الكدواني وسيد رجب، ومن إخراج خالد دياب، ويجسد شخصية السفير الأميركي، وهي شخصية محورية في الفيلم، وهو الذي يؤمن أن ملامحه المختلفة عن المواطن العربي العادي تعدّ ميزة تُضيف للشخصيات التي يتم تقديمها على الشاشة، فهو منذ قرّر الاستقرار في مصر لم تسيطر عليه مخاوف اللهجة التي استطاع إتقانها بسهولة. وقال لـ”العرب” “لا أجدني غريبا عن المجتمع العربي والمصري خاصة، الذي يزخر بالعديد من الملامح والجنسيات، فكثيرا ما تجد مصريين لهم جذور أجنبية”، مؤكدا كلامه بأنه دخل الوسط الفني بعد أسبوع من وصوله إلى مصر، وجسد شخصية السلطان التركي عبدالعزيز في مسلسل “سرايا عابدين” للمخرج عمرو عرفة، والذي عرض لأول مرة في رمضان منذ تسعة أعوام على شاشة “إم بي سي”. كما يؤكد أنه تخطى بسهولة صعوبات البداية، ويسعى حاليا إلى تخطي صعوبات أخرى، متمثلة في أدوار وتوجهات المخرجين داخل مصر، كي يثبت وجوده فنيا، فهو مهاجر شرعي إلى الفن وليس دخيلا، ولديه من الاختلاف مـا يـؤهلـه للـحضـور فـي الـساحة الـمصريـة. وحول ما إذا كانت ملامح الفنان سلاحا ذا حدين قد يأتي بنتائج إيجابية أو سلبية على اختياره في تجسيد الأدوار، أوضح بلحسن أنه ليس أميركيا جاء إلى مصر، لكنه فنان تونسي يحمل هموم الوطن العربي ويعرف طبائعه ومشكلاته واختلافاته، ولن يجد صعوبة في التعبير عن المواطن أو قضاياه. وأضاف “من المفترض أن الملامح المختلفة هي مساحة جديدة للتغيير في دماء الشاشة، ووجودي بمصر لا يعني أن أجعل من ملامحي المختلفة مبرّرا للمخرج كي يقدمني للجمهور على أنني أجنبي جاء للتمثيل في مصر، فأنا عربي أحمل نفس الثقافة واللغة”.مهاجر شرعي إلى الفن وعلى مرّ عقود، قدمت السينما المصرية الكثير من الفنانين والفنانات، من أصحاب الملامح الأوروبية ليكونوا عمالقة في مجال الفن بعد ذلك، وأبرزهم الفنان حسين فهمي الذي بدأ حياته المهنية معتمدا على الوسامة في أدواره، لكن سرعان ما استطاع اقتحام أدوار جديدة بعيدة عن مجرد وسامة الممثل. أشار نجيب بلحسن إلى أن الطموحات الفنية قد تجعله يستغني عن معايير جمال الشكل، ويجد بلحسن أن وسامة الفنان تمثّل عائقا أمام مسيرته الفنية، وقد يتحوّل إلى سلعة غير مطلوبة، إذا اعتمدت الخارطة الفنية على التقليد، بمعنى أن المنتج أو المخرج يبحث فقط عن الرائج ويبني عليه في الأعمال المقبلة بهدف التجارة والمكسب المادي. والتنبؤ بالمستقبل الفني لنجيب بلحسن شديد الصعوبة، لأنه لا يتوقّع ماذا سيقدّم أو كيف سينظر له المخرج أو المنتج في أعمالهما القادمة، فهو يعترف بأن ملامحه التي تختلف عن التونسيين أصحاب التجارب الناجحة فنيا في مصر، ربما لا تعطيه الفرصة ليكون أحدهم، فأحيانا لا يستطيع هو فهم طريقة تفكير بعض المخرجين، ما يصعّب تحديد مستقبله. وقال بلحسن “هي ليست منهجية أسير بها أو استسلاما لأمر واقع، لكنه التفاؤل النابع من رؤيتي للانفتاح الحالي على العالم الذي تسعى إليه السينما والدراما المصرية حاليا، كما أن الشعب المصري منفتح ويستوعب جميع الثقافات والاختلافات التي تنصهر سريعا في الثقافة المصرية”. على الرغم من تأكيد نجيب بلحسن عن حبه واعتزازه الكبير بوطنه تونس واعترافه بما لديها من مواهب فنية ثرية، لكن يراها الآن أصبحت طاردة لمواهبها، لأنها بلد يبلغ تعداده نحو 12 مليون نسمة، والدراما فيه محلية، وبالتالي هي سوق صغيرة، ولم تتح للكثير من أعمالها الآفاق الخارجية، مثل الدراما والسينما المصرية التي توزعت على ربوع البلدان العربية منذ سنوات عديدة مضت، فأصبحت اللهجة والفن المصري منتشرين بشكل أوسع. وخلال السنوات الثلاث الماضية قدّم بلحسن أدوارا لأجانب في مسلسلي “القيصر” و”حارة اليهود”، ويجد أن تقديمه لأول دور مصري على الشاشة سوف يعتبره جواز مروره الحقيقي إلى عالم الفن، لأنه يؤمن بأن الاندماج في المصرية بداية تحقيق أحلامه الفنية. ولا يخشى الممثل التونسي من تصنيفه ممثلا رومانسيا أو كوميديا وفقا لعوامل الشكل، لأنه جسد شخصية قناص في فيلم “الهرم الرابع”، كما أنه حتى الآن لم يُعرض عليه تجسيد هذه النوعيات، رغم أنه يتوقّعها، وأوضح “أنا ممثل أجسّد جميع الأدوار، لذلك أحتاج إلى مخرج مغامر يؤمن بموهبتي وأدواتي كممثل أولا”. وحول إمكانية استثمار الحضور التونسي الكبير داخل مصر في إنشاء رابطة فنية تونسية تخدم توجّهاتهم الفنية وفرض إيقاعهم على الوسط الفني بمصر، قال “في حال حدث ذلك، فإننا نخلق فجوة قد تعود بالسلب على الفنانين التونسيين، لكنني أجد أنه من الأفضل أن ينصهر الفنان التونسي بين الفن والمجتمع المصري حتى لا يشعر الجمهور بأنه ثمة اختلاف، فمثلا هند صبري لا يمكن أن يتساءل الناس عن جنسيتها، لأنها استطاعت أن تذوب في الشخصية المصرية”. وختم نجيب بلحسن حواره مع “العرب” بقوله “لا أجد اختلافا بين الثقافة التونسية والمصرية، فكلاهما مجتمع عربي يتشابه كثيرا، وكل شعب ينشغل بقضايا وهموم واحدة، وأرى أن الشعب المصري حسّاس بطبعه ويزخر بالعديد من الموهوبين في مختلف المجالات الفنية”.
مشاركة :