الترجمة بين الأمانة والخيانة بقلم: أبو بكر العيادي

  • 1/18/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المتمسّكون بالأمانة فهم يبالغون في الالتصاق بالأصل، ويتناسون أن اللغات لا تلتقي من حيث بنيتها النحوية والصرفية، ولا من حيث دلالة بعض ألفاظها، أو خصوصية الحِكم والأمثال فيها.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2018/01/18، العدد: 10873، ص(15)] ثمّة فهم محرَّف لمعنى الأمانة والخيانة في الترجمة، فالقائلون بالخيانة يسمحون لأنفسهم بالإخلال بالنص الأصليّ، فيحيدون عنه كلما صادفتهم صعوبة، أو يتجاهلونها تماما، ويمرون إلى ما يليها، بدعوى أن الأمانة في هذا المجال مستحيلة، عملا بالمقولة الإيطالية الشهيرة التي تكاد تشرّع الخيانة. أما المتمسّكون بالأمانة فهم يبالغون في الالتصاق بالأصل، ويتناسون أن اللغات لا تلتقي من حيث بنيتها النحوية والصرفية، ولا من حيث دلالة بعض ألفاظها، أو خصوصية الحِكم والأمثال فيها، والتي قد تختلف من أمّة إلى أخرى، بدعوى أن الأمانة العلمية تقتضي ذلك. أي أننا إزاء فريقين: فريق يضع نصب عينيه القاعدة التالية “هذا ليس بالضبط ما كتبه المؤلف، ولكن هو بالضبط ما أراد أن يقوله”، دون أن نكون على بيّنة من كونه أدرك فعلا ما أراد المؤلف قوله، ما يضطرنا إلى العودة إلى الأصل لبلوغ المقصود؛وفريق يرى أن ليس للمترجم أن يُسمِع صوته، بل عليه أن يتكلم مثل مؤلفه، ويقتفي خطاه، فيلبس جلبابه ومداسه، ويرقب حركاته وسكناته، وأن يتشبه، كبديل الممثل في المسرح، بهيئته ومشيته ونبرات صوته. وأصحاب هذا الرأي يتناسون أن ترجمة نصّ ليست هي النصّ، فقد تسيء إليه أو تجمّله، وقد لا تشبهه حتى وإن اقتفت أثره. وفي هذا يقول فولتير “لا يذهبنّ بكم الظن أننا نتعرف على الشعراء من نصوصهم المترجمة، لأن ذلك معناه أنكم تريدون رؤية ألوان لوحة في حفرية منقوشة”، وأيّده من بعده بيير لايريس، مترجم أعمال الروائي الأميركي هرمان ملفيل في قوله “أن تترجم معناه أن تكون أمينا حد الاقتناع بخلل ما”. ذلك أن الترجمة، التي يستسهلها اليوم نفر غير قليل، ليست بالسهولة التي نتصور، بل هي عملية معقدة تستوجب قدرا كبيرا من الجهد والصبر والفطنة، مثلما تستوجب نصيبا من المعرفة يؤهل صاحبه لمجابهة الأصل الذي يقدم عليه، وكان أوغست فون شليغل، مترجم ثربانتس إلى الألمانية، يرى فيها “صراعا حتى الموت، يهلك فيه بشكل محتوم الذي يترجِم أو الذي يترجَم له”، ويقصد أن أحدهما أقوى من الآخر حتما، إذ لا مساواة في هذا المجال. فأي الموقفين نختار، الأمانة أم الخيانة؟ يقول الفرنسي روبير دافرو “بين حرفية النص والمعنى، بين المعنى الرهيف والمعنى الواضح، بين الكلام واللغة، بين الصورة السمعية والمفهوم، بين اللغة الأصل واللغة الهدف، بين المقول والمكتوب، يعاني المترجم من كونه لا يستطيع أبدا أن يختار مبدأ دون أن ينتهكه في اللحظة الموالية”. كاتب تونسيأبو بكر العيادي

مشاركة :