موت الناقد الاجتماعي | محسن علي السُّهيمي

  • 10/15/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل فترة أعلن الدكتور عبدالله الغذامي موت النقد الأدبي وأحلَّ محله النقد الثقافي، وهو ما يعني في نهاية الأمر موت (الناقد الأدبي) الذي يولِّد (النقد الأدبي). رأي الغذامي هذا أثار سخط كثير من الأدباء؛ كونهم يرون النقدَ الأدبيَّ مرتبطًا بالإبداع الأدبي الذي سيظل متدفقًا ومستمرًّا باستمرارية الحياة، وهو -أي الإبداع الأدبي- إن خبا حينًا فإنه سرعان ما يعاود الظهور. واليوم يمكننا القول: إن هناك نظرية جديدة بدأت تتشكل ملامحها من خلال تداعي البعض عليها عبر كتاباتهم، هذه النظرية الجديدة يمكن أن نطلق عليها (موت الناقد الاجتماعي) ليلحق هو الآخر بالناقد الأدبي بحسب نظرية الغذامي. النقد كما عند (ابن فارس) في مقاييسه "يدل على إبراز شيء وبروزه، ومنه نقد الدرهم، وذلك أن يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك". من هذا نعلم أن جزءًا من النقد يتمثل في كشف نواحي القصور في أي جانب من جوانب الحياة، ومن ذلك القصور الحاصل في بعض الخدمات المقدَّمة. والنقد في حقيقته ما هو إلا كشف عن مواطن الفساد بطريقة أو بأخرى، ولذلك حث الله على (النهي عن الفساد) في قوله تعالى :"فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض". والفساد أمر حاصل لا يمكن إنكاره، وإلا لما أمر خادم الحرمين بإنشاء جهاز مستقل لمكافحته سُمِّي بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة". غاية النقد كما يراها إبراهيم الحيدري: "ألا يضيع الإنسان في واقع مزيف أو يستسلم لحقيقة كاذبة، أو يتوهم بأنها أبدية ولا يمكن مسها بالنقد. كما أن هدف النقد هو إيقاظ الوعي الإنساني عن طريق القدرة على الرفض". والناقد الاجتماعي لا تقل أدواره عن الناقد (الأدبي والثقافي والفني والسياسي والرياضي) فجميعهم يعمد لتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية بهدف تعزيزها، وعلى جوانب القصور بهدف تلافيها مستقبلاً. ومن يظن أن الخطأ أو القصور منتفيان عما يُقدَّم من خدمات -على ضخامتها- فهو واهم أو مضلِّل للقائمين عليها، وهو بهذه الطريقة يمارس الخطأ القصدي بحق الآخرين، ولذلك يرى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس أنَّ "عدم تصحيح الخطأ هو خطأ حقيقي". النقد لدى المجتمعات المتقدمة يُعد أمرًا مرغوبًا وحالةً صحيةً تنم عن وعي المواطن والمسؤول، ومتى تم تحييده أو التقليل من أهميته فذاك معناه أن المواطن والمسؤول كليهما دَخَلا في نفق تبادل المجاملات المقيت. وتزداد وجوبية النقد في حق المثقفين أكثر من غيرهم من شرائح المجتمع؛ كونهم يمثلون -حسب المفترض- الرأي الأكثر مصداقية والأكثر استقلالية، ومع وجود هذا الافتراض إلا أننا نجد أن بعض هؤلاء المثقفين وخاصة بعض من تمسَّح بمسوح (التنوير) وبريقه الساطع أقل مصداقية في نقدهم، وأكثر تناقضًا مع مبادئ التنوير التي يلوكونها في كتاباتهم. فحينما يأتي مثقف تنويري -كما يدَّعي- ليقلب الحقائق ويثير نقع الشبهات على وجهات نظر الآخرين لا لشيء إلا لأنهم مارسوا حقهم في النقد فإنه بهذه الكيفية يمارس نوعًا من الإقصاء البغيض بحق غيره، ويكشف هشاشة مبادئه التي يؤمن بها ويعمل جاهدًا -بحسب تنظيره- على تكريسها في وعي المجتمع. الأعجب في مسألة المثقفين التنويريين أن بعضهم يمارس -عبر كتاباته- النقدَ بكل حديَّة بحق بعض المؤسسات الخدمية وبحق المختلفين معه من منطلق حرية الرأي وغيرها من المبررات، غير أنه لا يقبله من الآخرين بحق تلك المؤسسات فضلاً عن أن يكون بحقه، وهو تناقض يثير الشفقة. وبعد.. فالممارسات التي يقوم بها بعض المتمسحين بـ(التنوير) لتكميم الأفواه ومصادرة الآراء وقلب الحقائق لن تئد النقد الهادف، في الوقت نفسه تكشف بجلاء عن حجم تناقضهم مع مبادئهم المزيفة. Mashr-26@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :