علاء الدين محموديحضر سؤال الحداثة في المشهد الثقافي العربي بقوة، وهو غالباً يأتي رد فعل تجاه قضايا مثل الإرهاب، والتطرف الديني، والجهل والأمية، واتساع دائرة الفقر، وكثيراً ما يأتي السؤال مصحوباً بكيفية البحث في التراث، وعلى أي منهج يمكن أن يتم الاستناد في الانطلاق نحو الحداثة.هو سؤال يبدو معقداً، ويزيد من تعقيده أن طرح مسألة تجديد التراث تأتي دائماً محاطاً بهالة من الخوف تجعل الباحثين حذرين في التعامل معه، ما يعيق في أحيان كثيرة مسألة كيفية تأسيس موقف أو قراءة جديدة في تناول وتأويل التراث العربي. والواقع أن عملية الانفتاح على التراث، نحو حالة جديدة من الحداثة، تتطلب ثورة كبيرة في مجال تناوله والإقبال عليه بالدراسة والتناول، كذلك هناك قضية الخطاب المتشدد الذي يريدنا أن نتعامل مع التراث ك«تابو» يؤخذ كما هو ويصعب الاقتراب منه.لكن ما يعيق هذه العملية بشكل كبير، ليس فقط أثر الخطاب المتشدد، الذي تروّج له الجماعات المتطرفة ويجد بعض الاهتمام لدى فئة الشباب، خاصة أنه خطاب يعتمد على العاطفة، ودغدغة المشاعر، لكن المشكلة الأكبر التي تعلن عن نفسها هنا، أن العالم نفسه يشهد نوعاً من التشظي في عصر العولمة هذا، ما يفقد البشر في كل أنحاء العالم الطمأنينة والأمان، فيتمسك الناس بخصوصيتهم الثقافية، لينتج هذا الموقف حالة ماضوية تزهد في الحاضر ولا تقبل على المستقبل، فالكثيرون في العالم العربي لا يجدون في هذه الحداثة نفسها سوى اغتراب عن واقعهم، انتزاعاً لثقافتهم وخصوصيتهم لمصلحة الثقافة الغربية التي تعلن عن نفسها ثقافة كونية، فيساورهم القلق تجاه المشهد بأكمله، وهذا تحد كبير في كيفية التعامل مع التراث.ولئن كانت الحداثة مسألة ضرورية وملحة، فإن هذا الانتقال يتطلب قدراً من تحرر العقول، والتوسع على مستوى التفكير في تطوير التعليم، بحيث أن المناهج التعليمية تفلح في عبور عتبة القلق، وتنتج الوعي بضرورة الحداثة، ربما انطلاقاً من التراث المتنوع والمتعدد الذي يزخر به العالم العربي. والمبشر في هذا الأمر أن بعض الدول العربية، منها الإمارات، قد اهتمت بهذا الجانب، بأهمية التعليم، كذلك أفردت مساحات واسعة للقراءة الحرة عبر المبادرات القرائية التي انتظمت في الدولة، وهذا من شأنه أن يخلق واقعاً جديداً عبر صناعة إنسان مسلح بالمعرفة والوعي، فالتعليم الحديث من شأنه أن يصنع مفاهيم جديدة، وأفكاراً تواجه التطرف من داخل الحقل المعرفي الثقافي، وهذا يؤسس لخطاب يتوافق مع ضرورات المرحلة والعصر، والمطلوب بالفعل هو التوسع في مثل هذه المبادرات التي تسهم بشكل كبير في صنع حداثة بخصائص عربية.
مشاركة :