الخلاف لا يفسد للود قضية

  • 1/21/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من العبارات التي نحفظها منذ الصغر العبارة التي قالها فولتير المفكر الفرنسي ومفجر الثورة الفرنسية عن حرية الرأي: «إنني قد أختلف معك في الرأي، ولكنني على أتم الاستعداد لأن أدفع حياتي ثمنا للدفاع من رأيك» ومن الجمل الجميلة التي قالها العرب الأولون: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وفي ذلك دليل واضح على أن الخلافات في الرأي أمر طبيعي وأنها لا تفسد للود قضية، فقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في مسائل فقهية كثيرة، ولكنهم مع ذلك يضعون كلا منهم في منزلته ومكانته، وكانوا يأخذون العلم والفقه والفتوى من بعضهم البعض، ولنا في هؤلاء الصحابة أسوة حسنة، فلنختلف ولكن بأدب، ولتتصارع أفكارنا وآراؤنا دون أن يحمل كل منا السلاح في وجه الآخر، وليقل كل منا وجهة نظره دون خوف أو تردد ودون أن نوجه إلى بعضنا البعض رصاصات طائشة في الظلام. والإنسان يختلف مع صديقه ومع إخوته ومع زوجته ومع زميل العمل، فهذه سنة الحياة، لكن علينا أن نحترم بعضنا الآخر وأن لا نسفه أو نحقر آراء الآخرين، فالحياة كلها مجموعة من الأضداد، فلولا الليل لما أحببنا النهار، ولولا الظلام لما تمتعنا ببهجة النور، ولولا حرارة الصيف لما عشقنا الربيع والشتاء.. هكذا هي الحياة اختلاف وتنوع ولكنه تنوع في إطار الوحدة والانسجام. وأعجب أشد العجب من أقوام لا يرون إلا رأيهم، ولا يحبون إلا من وافقهم في آرائهم، ويشهرون ويكفرون كل من يختلف معهم في مسألة دينية أو سياسية أو اجتماعية.. لا يرون الحياة إلا بعين واحدة، ولا يزنون الأمور إلا بميزان واحد، ولا يرون من الألوان إلا لونا واحدا، مع أن الأفكار والآراء والنظريات تتسع باتساع الدنيا كلها. ويزداد عجبي عندما أعرف أن هناك من لا يقرأ إلا لكاتب واحد، ولا يأخذ رأيا في مسألة دينية مثلا إلا من شيخ واحد.. أليس هذا هو التعصب بعينه.. فهل هناك من هو معصوم من الخطأ أو الزلل؟ !!.  الاختلاف موجود منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام حتى يومنا هذا، والشيء المؤكد أننا متفقون على مبدأ الاختلاف ولا يمكن إنكاره، وهو يعني وجهة نظري ووجهة نظرك، والاختلاف كما هو معلوم حتى في المذاهب الفقهية الأربعة رحمة بالمسلمين وليس صراعا، لأنهم اتفقوا على الأصول والمنهج، واختلفوا في الفروع فقط.   الاختلاف لا يعتبر تخلفا أو رجعية ولكن الخلاف بسبب الاختلاف هو التخلف والرجعية، نحن بحاجة إلى تشجيع الاختلاف في الآراء، ومن المعيب أن نحول دوما الاختلاف إلى خلاف.   وفي الحقيقة، وحتى لا نخدع أنفسنا نحن العرب أكثر شعوب العالم في تكرار عبارة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، ولكننا في الواقع نفسد كل القضايا بالصراع والتجني، ومن الصعوبة أن نتقبل حكم العقل من أجل وحدة الوطن أو الاحتفاظ بحبل الود مع الآخرين.

مشاركة :