أطفالنا اليوم بحاجة ماسة لمتابعة نفسية من قبل مختصين تلحقهم وزارة التربية والتعليم بالمدارس والمعاهد الإعدادية، تكون لهم مقابلات دورية بالأطفال وأوليائهم، حتى يتم التقليص ولو بشكل نسبي من انحراف بعض الناشئة عن السلوك القويم.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2018/01/23، العدد: 10878، ص(21)] هناك مواقف لا نوليها أهمية وتمر في حياتنا مرور الكرام، وما إن نصادف أحداثا مشابهة حتى تنتعش الذاكرة ونعود بشريط الذكريات إلى الوراء وندرك أن ما استوقفنا اليوم هو امتداد غير مشروط لما عايشناه منذ زمن. بالأمس كنت أتصفح حسابي الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حين لفت انتباهي منشور لإحدى المعلمات وهو عبارة عن صورة لورقة مع تعليق لتوضيح فحوى ما دُوِّن بها. وكانت الورقة تحمل بقلبها أربعة أسماء لأربعة طلاب مع خانة تحت كل اسم وكان بالسطر الأول اسم بنت وولد وبالأسفل كلمة شاهدين مع اسمي ولدين من زملائهما بالفصل وتحمل كل خانة توقيع صاحبها ما عدا خانة واحدة لم تحظ بتوقيع بعد. والسبب شرحته المعلمة مازحة بالقول إنها انتبهت لحركات غريبة بالفصل وتداول كبير للورقة بين الموجودين، وبتتبعها لمجريات الأحداث تبين لها أن زواجا عرفيا يتم في حصتها موضحة “لو لم أصل في الوقت المناسب قبل أن يوقّع الشاهد الثاني لكان معي الآن بالفصل زوجان”. أخذني هذا المنشور بعيدا حيث كنت يومها طالبة بالمراحل الأولى من التعليم الثانوي لا أزال غضة وغير مدركة بعد لما يفرضه الارتباط بولد وأقصى ما كان يشغل تفكيري كمراهقة أن أحظى بإعجاب الصبيان كما هو الحال مع بعض صديقاتي المقربات، أذكر جيدا أن إحدى زميلاتي بالفصل طلبت مني أن نجلس في ركن قصيّ بعيدا عن أعين المتطفلين وكانت حريصة كل الحرص على اختيار مكان يكون بمأمن من مسترقي السمع. تعجبت كثيرا وقلت لها “المعهد كبير جدا وهذا المكان أكاد أقسم أن لا أحد وطأه قبلنا فتكلمي رجاء لا أريد المكوث طويلا”. فقالت زائغة العينين “حسنا لن أطيل أعلم أنك لن تأتي معي إن طلبت منك ذلك لكنني لا أعلم لماذا أريد أن أطلعك على سري قبل أن أخطو هذه الخطوة”. ولأنني أعلم أن والديها شبه منفصلين ووضعها الاجتماعي والنفسي سيء حثثتها على الكلام من شدة خوفي عليها، فأخبرتني أنها ستتزوج وأنها ستغادر بعد قليل المعهد إلى مقهى قريب حيث ستلتقي بالعريس ومجموعة من أصدقائهما وسيكون البعض من الموجودين شاهدين على الورقة التي سيكتبانها سويا. صعقت ورجوتها أن تغير رأيها دون جدوى ومنذ ذلك الحين ذهب كل منا في طريقه ولم أجرؤ على سؤالها ماذا فعلت وظل إلى اليوم الأمر طي النسيان. لم يتوقف شريط الذكريات بعد، إذ عادت بي الذكريات إلى أيام الشغب التي شهدتها الجامعة التي انتسبت إليها، حيث سمعت من إحدى الإذاعات التونسية الخاصة أن المعتصمين بالجامعة للمطالبة بقبول المنقبات داخل الفصول تجمع بين البعض منهم علاقات زواج غير شرعية. لم أصدق واعتبرت ذلك تشويشا وتلاعبا لا علاقة له بالدين ولا أساس له من الصحة لكنني فوجئت بأن الأمر صحيح. وخرجت من هذه الحادثة بالكثير من نقاط الاستفهام العالقة بذهني إلى الآن أهمها كيف تسمح فتاة عاقلة وعلى درجة من الثقافة والوعي والتدين أن تهب جسدها للحظات متعة باسم الدين! قد أكون غير مهتمة في السابق بوصف أبطال الروايتين على درجة من الوعي لكن اليوم صار الأمر بحاجة ماسة لمراجعة وتتبع بوصف الورقة العرفية عرفت طريقها لعقول لم تتفتق بعد على أبسط أسباب الحياة. وإن كنت شاهدت منذ مدة فيديو يتداول بكثرة بين النشطاء على موقع تويتر يصور رغبة عدد من الأطفال من هم دون سن الالتحاق بالمدرسة يعبرون بشدة عن رغبتهم في الزواج، ولم يخف مصوّرو اللقطات التي بدت طريفة للغاية، من أولياء الأمور ضحكاتهم، غير واعين بأنهم يباركون عن غير قصد ترسيخ أفكار الارتباط بأذهان غضة. ولو حاولنا حصر الأسباب للبحث عن حلول جذرية تجتث هذه الظاهرة، فإننا سنجد أن أصابع الاتهام تشير إلى العوائل، لأن جل أولياء الأمور اليوم كاميرات مراقبتهم معطلة، لا يبذلون أي جهد يذكر من أجل توفير بيئة اجتماعية سليمة لأبنائهم، بدءا من عدم امتناعهم عن مشاهدة المواد التي لا تتناسب مع أعمار أطفالهم وصولا إلى مشاحناتهم العلنية والتي تتضمن أحيانا ألفاظا نابية، بالإضافة إلى سماحهم لصغارهم بامتلاك أجهزة ذكية دون مراجعة للمحتوى. وهذا لا يعني أنه لا يوجد آباء يستميتون من أجل متابعة أبنائهم متابعة دقيقة، ومع ذلك لا يأمنون وقوع أطفالهم في المحظور. أرى أن أطفالنا اليوم بحاجة ماسة لمتابعة نفسية من قبل مختصين تلحقهم وزارة التربية والتعليم بالمدارس والمعاهد الإعدادية، تكون لهم مقابلات دورية بالأطفال وأوليائهم، حتى يتم التقليص ولو بشكل نسبي من انحراف بعض الناشئة عن السلوك القويم. كاتبة تونسيةشيماء رحومة
مشاركة :