تستخدم برامج الأطفال غالباً لهجات غير تقليدية لأصوات «الأشرار» فيها، ما يوجّه رسالة خطيرة إلى الأولاد بشأن التنوع. عندما شاهد خبير علم اللغويات الاجتماعية كالفين غيدني فيلم «الأسد الملك» في دار السينما قبل نحو عقدين من الزمن، فوجئ بأوجه الاختلاف بين «موفاسا» و«سكار». لا تملك هاتان الشخصيتان قواسم مشتركة كثيرة: موفاسا بطل مقدام، في حين يبدو سكار ساخراً متعطشاً إلى السلطة. لكن لفتت انتباه غيدني طريقة كلام كل منهما: تحدّث موفاسا بلكنة أميركية، في حين زأر سكار، الأسد الشرير، بلكنة بريطانية. وفي مشهد الذروة الذي يتّهم فيه الأخير سيمبا بأنه «القاتل» (murderer) المسؤول عن موت موفاسا، يرّن حرف «الراء» ذاك باللغة الإنكليزية بقوة كما لو أنه رعد يدوي في السماء. ومن الصعب تخيل أنه قد يبدو أكثر رعباً بأية لكنة أخرى. إيزابيل فتال جاءت بالتفاصيل التالية في «أتلانتيك». يعتبر كالفين غيدني، وهو بروفسور مساعد في قسم دراسة الأطفال والتنمية البشرية في جامعة تافتس متخصص في علم اللغويات الاجتماعية، أن لكنة الأسد الشرير سكار في فيلم "الأسد الملك" تشكّل جزءاً من نمط مقلق في الأفلام: تُستخدم اللكنات الأجنبية واللهجات غير التقليدية لأصوات الشخصيات "الشريرة". كذلك لاحظ أن أتباع سكار من الضباع تتحدث باللغة الإنكليزية الأميركية الأفريقية أو الإنكليزية بلكنة إسبانية. لكنه يعتقد أن هذه الموجة مقلقة، وخصوصاً أننا نستطيع تحديد موضوع الفيلم بـ"النظام الطبيعي للأشياء"، وفق غيدني. يضيف: "أعتقد أن من المقلق حقاً أن نرى ضرورة استعادة الأدغال من أسد شرير يزأر بلكنة بريطانية، فضلاً عن ضباع تبدو لاتينية أو أفريقية أميركية". ألهم هذا الفيلم غيدني للانطلاق في دراسة عن أنماط اللغة المستخدمة في برامج الأنيمايشن المخصصة للأولاد. تعاون مع جولي دوبرو، محاضِرة بارزة في تافتس متخصصة في مسائل الأولاد ووسائل الإعلام، لدراسة الشكل الذي يتخذه هذا الميل في برامج الأولاد التلفزيونية. وهكذا حللا منذ ذلك الحين نحو 30 برنامجاً تضم 1500 شخصية، وما زالا يعملان على هذا المشروع. في دراستهم الأولية عام 1998، طلب غيدني ودوبرو من فريق متخصص في الشفرات تحليل 323 شخصية كرتونية تلفزيونية، معتمداً معايير مثل الهوية الإثنية والجنسية، والمظهر الخارجي، ومكانة البطل/الشرير، والمؤشرات اللغوية. اختار هذا الفريق عينة عشوائية ضمت 12 برنامجاً وشملت مجموعة واسعة من الشبكات، وأوقات البث، والأنواع. وتشير نتائجه إلى أن كثيراً من برامج الأولاد يستخدم اللغة لتحديد بعض الخصال المعطاة للشخصية. فقد عمدت كل البرامج التي دُرست، باستثناء اثنين منها، إلى ربط اللهجة (مصطلح يشير هنا إلى أي نوع من اللغات) بطباع الشخصيات بطريقة ما. لكن اللافت أن الأشرار في حالات عدة دُرست نطقوا بلكنة أجنبية. ومن الأمثلة العصرية الدكتور هاينز دوفينشميرتز، الرجل الشرير في برنامج "فينياس وفوربس". يتحدث هذا العالِم بلكنة ألمانية ويأتي من بلد أوروبي خيالي يُدعى دراسلشتاين. في المقابل، اكتشفت الدراسة أن غالبية الشخصيات البطولية في عينة البحث تبدو أميركية. ولم يتحدث سوى بطلين بلكنة أجنبية. ولما كان التلفزيون يشكّل وسيلة بارزة لنقل الرسائل الثقافية إلى الأولاد، فقد تكون لهذا الرابط بين اللكنات الأجنبية والشخصيات "الشريرة" تداعيات مقلقة على الطريقة التي يتعلم فيها الأولاد التفاعل مع التنوع في الولايات المتحدة. لهجة «شريرة» شكّلت الإنكليزية البريطانية اللكنة الأجنبية الأكثر انتشاراً بين الأشرار، وفق الدراسة. من سكار إلى جعفر في "علاء الدين"، اكتشفت الدراسة أن اللهجة البريطانية كانت الأكثر استعمالاً بين الشخصيات الشريرة. على نحو مماثل، شاعت اللكنات الألمانية والسلافية بين الأصوات الشريرة. أما أعوان الأشرار ومساعدوهم، فتحدثوا غالباً بلهجات ترتبط بالمكانة الاجتماعية-الاقتصادية المتواضعة، من بينها لهجات الطبقات العاملة في أوروبا الشرقية واللهجات الأميركية المناطقية، مثل لهجة "العصابات الأميركية-الإيطالية". علاوة على ذلك، لا تتوخى برامج الأنيمايشن الحذر في تحديدها اللهجات، بل تكتفي غالباً باستعمال نسخة غير متقنة من اللهجة بدل تقديمها بدقة. تشير الدراسة، مثلاً، إلى مؤشرَي اللهجات السلافية الأكثر استخداماً: تُلفظ كلمات مثل darling (عزيزتي) dah-link وwe (نحن) vee. بالإضافة إلى ذلك، للهجات تراكيب من الخصائص ترتبط بمجموعات من القوميات. لكن الجلي في كل هذه الحالات واقع أن اللهجة تُصوَّر بطريقة تُبرز للمشاهد بوضوح أنها أجنبية. يعتبر غيدني أن القاسم المشترك بين هذه اللهجات الأجنبية المبهمة الاختلاف الثنائي بين «مثلنا» و«ليس مثلنا». ويضيف: «تُحدد الرذالة باستخدام لهجة مختلفة». لكن النتائج التي توصل إليها غيدني ودوبرو تُظهر أن هذه المسألة لا تقتصر على التحيز الأميركي العام ضد اللهجات الأجنبية. يوضح هذان الباحثان أن تخصيص اللكنات الألمانية، والأوروبية الشرقية، والروسية لشخصيات الأنيمايشن الشريرة يعكس على الأرجح العدائية الأميركية لتلك الدول خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. إلا أنهما لاحظَا أيضاً أن هذه الميول اللغوية لم تتبدّل خلال العقود القليلة الماضية، رغم أن المناخ السياسي والاجتماعي تغير ورغم أن جو الأمة العام صار يتأثر باضطرابات إثنية وعالمية مختلفة. تحيّز اثني على عكس ما قد يتوقعه الباحثون، يؤكد غيدني ودوبرو أن برامج الأطفال التلفزيونية اليوم لم تصبح أكثر ميلاً لمنح الأشرار لكنات شرق أوسطية أو كوريا، مقارنةً بما كانت عليه في الماضي. وما زالت اللهجات السلافية، والألمانية، وما شبهها تهيمن على أصوات الشخصيات «الشريرة». في المقابل، يؤكد غيدني ودوبرو أن استعمال اللغة النمطي هذا لا يشكّل العرف المتبع في هذا القطاع بأكمله، ويشيران إلى أن شبكات مثل PBS تبذل جهوداً كبيرة لتمنح الأولوية للتنوع العرقي والإثني وتوخي الدقة في برامجها، فضلاً عن أن هذا القطاع يشهد تقدماً شاملاً. لكن الإشارات التي تحملها اللكنات تشكّل نوعاً أقل بروزاً من التحيز النمطي الإثني الذي يستطيع بسهولة مرافقة ما يُدخَل من تحسينات إلى الطرائق التي تصوّر بها برامجُ الأطفال العالم ومَن يقطنوه. على سبيل المثال، ضمّت برامج كثيرة درسها غيدني ودوبرو في السنوات الأخيرة مجموعات إثنية أكثر تنوعاً. أما المشكلة الأخرى التي تركّز عليها دراسة غيدني ودوبرو، فترتبط بطريقة معالجة الأولاد الرسائل التي تقدمها لهم برامج الأنيمايشن التلفزيونية. يخطط هذان الباحثان للطلب من عدد من الممثلين تسجيل عبارات أساسية مثل "أعطني الماء من فضلك" بلهجات مختلفة. ثم يخبر الباحثان أولاداً تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة أنهما يملكان صوتاً إلا أنهما ليسا واثقين من شخصية المتحدث: هل هو شرير أم بطل أم مهرج؟ سيطلبان من الأولاد تقديم الاقتراحات. هدف هذه التجربة تكوين فهم أعمق عن ميول الأولاد التي تربط اللهجة بخصال الشخصية. واكتشف خبراء علم اللغويات أن الناس لا يحكمون على مدى ذكاء نظرائهم ومستوى تعليمهم من خلال الخصائص اللغوية فحسب (يُعتبر مَن يتكلمون اللهجات الرائجة عادةً أكثر ذكاء وجمالاً)، بل تصوغ هذه الأحكام أيضاً طريقة تعاملهم مع إنسان ما أو مجموعة محددة من الناس. وتشير هذه الأنماط إلى أن احتمال أن يكوّن الأولاد نظرة سلبية إلى أنفسهم أو مجموعات أخرى يزداد، عندما يرون رابطاً بين الشر والشخص الأجنبي أو بين الشر والمكانة الاجتماعية-الاقتصادية المتواضعة. قيمة التلفزيون الترفيهية تُعتبر نتائج هذه الدراسة بالغة الأهمية لأن قيمة التلفزيون الترفيهية تجعله وسيلة قوية لنقل الرسائل: ينجذب الأولاد بسهولة إلى التلفزيون، وهم مستعدون لمشاهدة البرنامج ذاته مراراً. تشبّه ليبي-غرين الترفيه بـ"ملعقة من السكر" تخلّف نكهة مُرّة لدى البالغين الواسعي الاطلاع. تقول إن التلفزيون والأفلام "تأخذ [التحيز] وتصب الإسمنت فوقه وتشكّله". ويعود هذا، وفق ليبي-غرين، إلى أن الأولاد يتعلمون من خلال التكرار. تتابع موضحةً: "تريهم نمطاً وتواصل تعليمهم إياه... ولا شك في أنهم سيتشربونه". حتى الراوون في الحضارات الباكرة استخدموا على الأرجح اللهجات كمؤشر إلى كل ما هو أجنبي، وفق ليبي-غرين. منذ البداية، "عمد مَن اعتُبروا راوين مهرة إلى تغيير أصواتهم". فقد شكّلت هذه إحدى الطرائق الباكرة لتحديد الغريب بفاعلية. إذاً، كيف يجب أن يتفاعل الأهل مع اكتشافهم أن أفلاماً وبرامج تلفزيونية كثيرة مخصصة للأولاد تحفل بالتمييز الثقافي؟ تشير دوبرو إلى مشاهدة التلفزيون الجماعية العمدية قائلة: "المهم أن تنجح في تحويل أولادك إلى مشاهدين يجيدون الحكم على وسائل الإعلام. فإذا رافق أحد الوالدين أو الإخوة أو الرعاة الولد أثناء مشاهدته التلفزيون أو فيلماً، يمكنه... أن يحوّل تلك التجربة إلى تجربة تثقيفية".
مشاركة :