اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري “ماسبيرو” إلى الاستعانة باستراتيجية القنوات الخاصة لجذب الجمهور، لتطوير قناته الرسمية الأولى، بالاعتماد على معطيات إنتاجية وتسويقية ترتكز على الجانب الترفيهي بشكل خاص. ويستعد المسؤولون عن الإعلام الحكومي لانطلاقة جديدة مطلع الشهر المقبل، حيث تعاقدت الهيئة الوطنية للإعلام مع وكالات إعلانية تتولى مسألة التسويق وشراء حقوق بث البرامج المذاعة على “القناة الأولى”، واستعادت عددا من وجوهها الإعلامية التي حققت نجاحات في فضائيات خاصة، واستبدلت تسمية “القناة الأولى” بـ”قناة مصر الأولى”. ودشنت حملة إعلانية في شوارع العاصمة القاهرة للترويج للقناة، بينما أسندت حقوق رعاية البرامج الجديدة المعروضة على القناة الجديدة إلى وكالات مثل وكالتي الأهرام والأخبار للإعلان. وقال جمال الشاعر وكيل الهيئة الوطنية للإعلام إن الشكل الجديد للقناة الأولى جزء من التطوير المؤسسي لماسبيرو، وظهور برامج جديدة يجري بالتوازي معها، وتشمل إدارة الأصول واستثمارها وسداد الديون وتغيير شكل الشاشة، وتدريب العاملين عبر معهد الإذاعة والتلفزيون الذي يهدف إلى إعادة تأهيل العاملين به. وأضاف الشاعر لـ”العرب” أن تطوير شكل القناة الأولى يعتمد على تعاقدات ممولة من الوكالات الإعلانية والرعاة وأن ماسبيرو لن يتحمل أعباء مالية، مع وضع بنود تشترط الالتزام بالسياسة التحريرية للتلفزيون المصري، لضمان السير على نفس الخط الوطني، وتم وضع تصور لتطوير كل قناة على حدة. وأشار إلى أن هناك تغييرا في خارطة البرامج المقدمة على القناة الأولى وتم نقل عدد من البرامج إلى القناة الثانية للحفاظ على العاملين وعدم المساس ببرامجهم وحقوقهم المادية والأدبية، على أن تكون هناك أولوية لعرض البرامج في ساعات الإرسال المتميزة لضمان جذب الجمهور. ووقع الاختيار على الإعلامي خيري رمضان، والإعلامية رشا نبيل لتقديم البرنامج الرئيسي “مصر النهاردة” الذي توقف قبل 7 سنوات تقريبا، وكانت آخر حلقاته منتصف عام 2011 بعد رحيل مقدميه محمود سعد وخيري رمضان وتامر أمين ومنى الشرقاوي، عقب ثورة 25 يناير. ومن المقرر أن يقدم الإعلامي كريم حسن شحاتة برنامجا رياضيا بعنوان “كورة كل يوم” بعد أن انتهى تعاقده مع قناة النهار الخاصة في نهاية 2017، وكان يقدم على شاشتها برنامجا بنفس العنوان، بالإضافة إلى تخصيص برنامج للطهي يحمل اسم “الطباخ” يقدمه الشيف المغازي. وواجهت هذه خطة انتقادات لاذعة من قبل بعض الخبراء، واعتبروها خروجا عن الدور الثقافي والتوعوي للتلفزيون الرسمي، في وقت تعاني فيه الدولة من أزمات عديدة، أبرزها تتعلق بتشويه وعي المواطنين تجاه قضاياهم القومية، بينما شكك البعض الآخر في مدى مقدرة التلفزيون الرسمي على منافسة الفضائيات الخاصة، بسبب فارق الإمكانيات المادية والطاقم الإداري بينهما. وقال شريف درويش اللبان، وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة، إن الاعتماد على وكالات إعلانية مقدمة لخصخصة التلفزيون الحكومي المصري، وتجري بشكل مستتر من خلال توكيل البرامج لشركات خاصة تتولى إنتاجها، وهذا لا يستقيم مع فكرة إعلام الدولة التنموي، ويؤدي إلى إهدار جميع الأهداف التي تأسس عليها التلفزيون في العام 1960.شريف اللبان: تطوير ماسبيرو يجري دون فلسفة واضحة للارتقاء بالخدمات التي يقدمها وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن العبرة ليست بالاستعانة بالوجوه التي تستطيع جذب الجمهور بقدر ارتباطها بتوفير الأجواء التي تساعدها على النجاح، وهو ما يظهر من خلال نجاح معظم أبناء ماسبيرو في الفضائيات الخاصة، وهو أمر يتكرر مع جميع وسائل الإعلام الحكومية المقروءة والمرئية والمسموعة، ويرتبط بالنجاح الإداري والقدرات المالية المقدمة إلى الإعلاميين. ويرى مراقبون أن فكرة الخروج بشكل جديد جذاب قد تواجه فشلا، لأنها لم تتم على أساس تطوير كلي لكافة قنوات التلفزيون، واقتصرت على قناة واحدة، وبالتالي فإنها تعد مجرد مسكنات لن تتمكن من وقف العثرات. كما أن الظروف التي حقق فيها ماسبيرو طفرات على مستوى المشاهدة قبل اندلاع ثورة يناير تختلف ع ظروف اليوم. ففي ذلك الوقت لم يكن عدد الفضائيات بهذا الكم، كما أن برامج الـ”توك شو” كانت تحقق زخما جماهيريا كبيرا عكس الفترة الحالية، إلى جانب أن أوضاع التلفزيون وثقة المواطنين في ما يقدمه كانتا أفضل مما عليه الآن، لأن موقفه من خروج المواطنين أثناء ثورة يناير، وتنوع قضايا الفساد التي اتهم بها قياداته أفقداه الكثير من الجماهيرية والتي وصلت إلى أدنى المستويات الآن. وحاول التلفزيون المصري في السنوات الأخيرة استعادة ثقة المشاهد من خلال أكثر من برنامج “توك شو”، إلا أن هذه التجارب لم تحقق النجاح المطلوب وتوقفت سريعا، وكان أبرزها “على اسم مصر” الذي قدمه الكاتب مأمون فندي، والإعلامي حسام السكري، والإعلامية قصواء الخلالي. والتجربة الثانية كانت في برنامج “أنا مصر” من تقديم عدد من المذيعين، بينهم شريف عامر وريهام السهلي، إلا أن البرنامج فشل في جذب الجمهور إلى التلفزيون مرة أخرى. وأوضح اللبان لـ”العرب” أن ما يمكن تسميته بغزو الإعلام الخاص للحكومي سيؤدي إلى تدمير المنظومة الإعلامية، كما أن بحث التلفزيون المصري عن المنوعات والإثارة يساهم في فشله بشكل أكبر على المدى البعيد، حتى وإن استطاع جذب الجمهور مؤقتا، لأن تطوير ماسبيرو يجري دون فلسفة واضحة للارتقاء بالخدمات التي يقدمها. ويطالب العاملون في ماسبيرو بإصلاح البنية التحتية للتلفزيون المصري قبل أن يكون هناك تطور على مستوى الشكل الخارجي فقط، وضخ الأموال المستخدمة في التطوير لإصلاح محطات الإرسال الممتدة إلى جميع المحافظات المصرية والتي أضحت بحاجة إلى الإصلاح بعد أن أصاب معظمها التلف، والاهتمام بتطوير باقي القنوات التي يصل عددها إلى أكثر من 20 قناة.
مشاركة :