محمد العمر يكتب :نهضة في فقه الجهاد

  • 10/20/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الجهاد مفهوم عائم، لا يدرك شمولية معانية البسطاء وطويلبة العلم، فلست هنا في مقام انتقاص الآخرين، لكن هذه الفريضة تعد من أخطر مفاهيم الإسلام، لأنها ليست مقتصرة على العبد وربه، بل مرتبطة بانتهاك شعيرة، وذهاب أرواح، وخراب ديار، وتشويه لسماحة الإسلام. ارتبط الجهاد في هذا الزمان بمفهوم التكفير أولا، ثم العزم على اعتلاء معاداة الأنظمة في شبهة مفادها «الطواغيت»، بمعنى «من يعبد من دون الله وهو راض»، كناية للعلاقات الصديقة مع دول عظمى، واعتبارها راضخة خانعة لها، وكذلك وفق ما تتخذه تلك الدول على أشباههم الخطرين من توقيف ومحاكمات، إضافة إلى خلق القصص الكاذبة والمنمقة لتظهر بشكل حقيقي يصدقها الناس، من خلال تمريرها وإدخال بعض مجريات الأحداث في المنطقة لتعطي مفاهيم خطيرة لا علاقة لها بذلك المعنى لا من قريب ولا من بعيد، كما أن ذلك الوصف لا يصدق على أي حكم إسلامي معاصر منضو تحت أركان تشريعية ثابتة، لذا لا يخرجها من دينها أو يحق لأحد أن يرجمها بكفر لمجرد خلافات سياسية لا دينية عقدية. خطورة منظري الجهاد «غير السليم» على البشرية الإسلامية، استنادهم على أدلة تفسر على هوى الحركة أو التنظيم، وهو ما يذهب بالمقاتلين بعيدا، ويتخذون منها مركبا نحو الخلاص والتمحيص والرضا والأجر، غير آبهين بتبعات الأخذ بتلك الفتاوى التي لم يعرضوها على أطراف نابغة ومبحرة في العلم الشرعي، لأنهم أوهموا أن كل مقرب لـ«الطاغوت» فهو تحت دائرة «علماء البلاط والسلطان»، فلا يتورعون عن إلحاقهم بحكمه، ومن هنا استطاع أولئك المنظرون خلق الفجوة والانفصال الاجتماعي وكسر حدود الاحترام الطبيعي، وسلب العقل من الأتباع وتحريكه على هوى شيطاني. منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم رضي الله عنهم، ومن أتوا بعدهم كانوا يقومون بفريضة الجهاد لحاجته خاصة عندما يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أو خليفة المسلمين من بعده، ثم يعودون لما كانوا لإتمام حياتهم، فالساقي والبقال والحداد والمزارع والراعي والمعلم وكل صاحب مهنة، يشد من أزره ويستخدم قوته إن كان مستوفيا شروط النداء، وبعد الخلاص والسلامة، يعود لأهله ومجتمعه وصنعته دونما أدلجة تجعله ينظر لماضيه بسوداوية. في عصرنا.. من يذهب للجهاد لا يعود في الغالب، فيتطور في تركيبته النفسية، ويبقى مشتطا معاديا، وتزرع في داخله روح القوة التي تأخذ الاتجاه المعاكس؛ فتنطلق سهامه بكل الاتجاهات فتصيب بلا هوادة كل الجبهات حتى تلك المسالمة منها والصديقة. الجهاد في هذا العصر أصبح دولة لا فريضة شكلها قادته عبر اعتبارات وقوانين مشوهة، وتغير من مفهوم النصرة إلى جبهة مضادة كسرطان فتاك، ناهيك بالطرق المستخدمة في أدوات الجهاد التي اختلف عليها علماء المسلمين، لذا فإن مفهوم الجهاد طمر بيد قادة وأتباعا ينقصهم علم في الشريعة الإسلامية وأصول الدين، وبعضهم من مخلفات الدول، وآخرون وجدوا الجهاد متنفسا للخلاص من مشكلات شخصية أو عائلية، أو مكانا لتصفية الحسابات. الأصل في مفهوم الجهاد «فرض كفاية» وإن وجد من يقوم به نيابة عن البقية يسقط عنهم، لكنه يكون فرض عين في حال كان المجاهد في أرض المعركة فلا يولي الدبر، وكذلك إذا حاصر العدو بلدته، وأيضا إذا احتيج إليه لسبب يخص استعمال السلاح لا لكثرة العدد، وقبل ذلك كله عندما يستنفره ولي أمر دولته التي منها جنسيته، وإلا فيتحول حينها إلى حرب عصابات إجرامية. مع نشوء دول ذات قوانين وأنظمة جعلت من حماية حدودها وأوطانها ومواطنيها جهازا يسمى بالجيش «وزارة الدفاع» أو «الحرس الوطني»، مزودا بالأفراد والعتاد والأسلحة، فهو بذاته مرادف لمبدأ القائمين بالجهاد الذي يكون تحت إمرة ولي الأمر متى احتاجه، والذي جعل منه فرض كفاية عن كافة مواطنيه، وقد يكون للمواطنين فرض عين عندما يأمرهم حاكمهم بالمشاركة معه، كما يكون تدخل ذلك الجيش لنصرة المتضررين لسبب وآخر خارج حدود الوطن بأمر من ذلك الولي، وباتفاق مشترك من نظرائه وإلا فلا يجب. ومن هنا أتمنى من المتمكنين بالعلم الشرعي، والمعتبرين، إعادة صياغة المفهوم، تحت بند «النهضة في فقه الجهاد»، فكما أن بعض مسائل الدين الفرعية لا الأصلية، تتغير مفاهيمها حسب تبدل الزمان، فالجهاد فرع اختلف حاله مع هذا العصر، فلا بد من وضع إطار واضح وجلي للأمة. محمد العمر رابط الخبر بصحيفة الوئام: نهضة في فقه الجهاد

مشاركة :