محمد العمر يكتب : متغيرات اجتماعية أربكتنا

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

شدتني تغريدة جميلة تحمل أروع معاني السمو سطرها الكاتب “وحيد الغامدي” عبر تويتر رداً على شخص قام بتصوير فتاتي “فود ترك”، وهن يباشرن الزبائن بكل احترام وأخلاق في التعامل: (أمامنا نموذجان.. شاب من الجيل الجديد يتعامل بشكل طبيعي جداً، وربما بلا مبالاة، ورجل من جيل قديم يصور هذا المشهد ويولول (يا الله سترك)، أظن أن أنسب تعليق هو: اتركوا الجيل القادم يعيش زمنه، فهو أقل منكم ارتباكاً أمام منعطفات الزمن). أصاب “وحيد” كبد الحقيقة، فنحن نعيش واقعا جديدا فرضته عدة عوامل، أهمها انتهاء صلاحية بعض المتطلبات الزمنية في السابق والتي كانت واقعاً مفروضاً لسبب وآخر، وثانيهما (الوعي) الذي اكتسبه الناس من وراء تجديد الخطاب، سواء الديني منها أو الاجتماعي، واللذان ينطلقان من عدة زوايا، أهمها تبديد الاجتهادات ووقف نزيف مخارجها وعلاج نتائجها، فهذا المعترك من المتغيرات والمستجدات لم يأتِ بجديد، بل من الممكن أن يكون قد بدأ في الماضي، وحينها سنتجاوز التوجس والتنمر والخوف غير المبرر بسبب رسائل متشددة مجهولة المصدر تُبث وتُنشر هنا وهناك في المجالس أو المنابر أو كما التي تُنشر اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الممكن أيضاً أن تكون تلك الحالات معدومة لو أننا لم نتعامل معها بعد عام 1979. طوال 40 عاماً والمجتمع يتغذى شيئاً فشيئاً على سلوك ونمط غريب، بل ومن عاصر تلك المرحلة من البدايات، يشاهد التحول المتدرج والسريع في نفس الوقت، والاختلاف التام الذي طرأ على كثير من الممارسات والعادات الطبيعية في مختلف المجتمعات السعودية “بفعل فاعل” حرص جاهداً على بث الترهيب قبل الترغيب، ولن أخوض كثيراً في هذا الباب لأننا تطرقنا له كثيراً. الآن أمامنا واقع جديد، وجيل أيضاً جديد، وأخرى من الأجيال السابقة استطاعت التكيُّف مع المرحلة، وبعض منهم لم ينخرط أساساً في شباك التغيير الفكري الصحوي السابق، بل ويرى بعض المسائل المحشورة في أُسس الدين بأنها مغلوطة في الربط والحُكم (وهذا قد نجى بنفسه). على سبيل المثال، كشف وجه المرأة، أو تغيير نمط حجابها أو لباسها طالما أنه باقٍ في اطار قانوني، أو عملها في مكان عام، أو اختلاطها مع الرجال والذي يعتبر مشروع بكل الأديان والأعراف، أو إقامة حفلات ومناسبات هنا وهناك “ترفيهية” مرخَّصة، كلها لا تستدعي أي انزعاج أو “ولولة”، فهذا وذاك من الأمثلة يراه كل “مولول” بل ويتماشى معه بشكل طبيعي عندما يسافر خارج البلاد، والسبب الذي يدفعه “للولولة” أنه آمن بمصطلح “الخصوصية”، الذي أصبح مطاطاً وليس له أي ضابط. هناك قعشريرة تأتي البعض عند مشاهدة تلك المتغيرات، وسببها الخوف من حدوث عقاب إلهي، أو أن المجتمع هو حالة فريدة بين سائر الأمم، وله خصوصية كما سبق وذكرت أو ميزة ربانية، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقبل بمباح وطبيعي (يراه هو كارثة وطامة تزلزل عرش الرحمن)، فكلنا نعلم من أين أتى هذا الإحساس، والواقع أنه تم تسويقه بطريقة التخويف مستغلين بذلك العواطف والروحانيات على مدى عقود، وتشربته بعض العقول، وتخدرت عليه أحاسيسهم “حتى صدقته”، لذا من الطبيعي أن نشاهد انبهار هذا، وعويل ذاك عندما يرى على أقل تقدير فتاة كاشفة الوجه، كونه تغذى على أن وجه المرأة حرام وتعصّب لإجتهاد قائله والآخذ به، بل ويرى هذا هو الحق وغيره مخالف للشرع السماوي، وقس على ذلك كل مباح مرفوض. البعض قد يراني أدعو إلى الانحلال بمفهومه، وبمفهومه أيضاً أدعو لمخالفة أسس العادات والتقاليد التي لا تتعارض مع المتغيرات أصلاً، لذا أريد أن أوضح له بعضاً من الحقائق: رغم ما كان عليه المجتمع من نموذج متفرد من الخصوصية، إلا أن التنمية بقيادة الدولة الحكمية لم تتوقف، بل واستمرت في عطاءها وبذلها واسهاماتها منذ قيام المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، والمتابع للتاريخ السعودي الذي تعاقب عليه الملوك العظماء، يلحظ تنوع وتجدد الأدوات في إدارة الدولة وهي تتماشى مع زخم التطور العالمي، لذا فإن المرحلة الجديدة هي أيضاً تتطلب واقعاً مختلفاً عن السابق، تستوجب فيه طرح المزيد من المواكبة والتماشي مع زخم التطور السريع الذي يُسهم في نمو ورفعة سياستنا واقتصادنا وثقافتنا وما يترتب عليهم جميعاً. لا يمكن أن نبقى صامتين جامدين أمام ما من شأنه تطوير وتعزيز الوطن، وأيضاً لن تألو الدولة جهداً لأجل دعم الحق المشروع للمواطن والمقيم سواء على مستوى معيشته أو رفاهيته، ومن يحاول تعكير صفو الجو العام ببعض المصطلحات هنا وهناك من خلال فصل التطور المطلوب وبين الممارسات المباحة، فهو يٌصر على تكرير مبدأ الوصاية على مجتمع قرر بإرادة قيادته التحليق، فالدولة لها أجهزة ذات اختصاص، وجهات رقابية ترصد وتحاسب وتعاقب في حال كشف أي تجاوز فردي أو جماعي. لن نكون مختلفين بتراجعنا كما يريد البعض، ولكن سنكون فريدين بتقدمنا، طالما أننا نسمو بأخلاقنا ونعتز بأصالتنا، التي نمزج معهما الانفتاح على العالم وننشر ثقافتنا وسلامنا وتعايشنا، ونرحب بمن يريد اكتشاف حياتنا ووطننا، وسنكون حريصين على أن يعود الكرَّة لأنه ذهب بانطباع إيجابي يرضينا. أخيراً على مدى التاريخ، وفي كل مرحلة تستوجب إيقاع الجديد، (يظهر هنالك رافضين)، ثم يسلك الجميع، واليوم هو كسائرها جميعاً، لذا فهذه المرحلة قد تكون أحلكها، وتستوجب همة أهل الفكر والثقافة المعتدلين المتمسكين بمبدأ العقل والمنطق، كي ينتشر الوعي، ومن لا يرغب فهناك خيارات متاحة تحترم رأيه، لذا وجب أن نحترم رغبات بعضنا ووجهات نظرنا بلا وصاية أو تغيير قصري يؤدي إلى إخلال بالأمن أو السلم الاجتماعي. محمد العمر

مشاركة :