خيري منصور حين كتب توفلر عن صدمة الحداثة قبل عدة عقود لم يكن التطور العلمي في مختلف المجالات قد بلغ هذا الحدّ، بحيث أدى التسارع في التطور إلى أن يحدث خلال ربع قرن ما يعادل القرنين وربما الثلاثة بمقاييس تقليدية. وكان لانعكاسات هذا التطور الاجتماعية والنفسية والاقتصادية تأثير في البشر وفي منظومات القيم والمفاهيم، لكن الدراسات النفسية والاجتماعية الراصدة لهذا التطور كانت إيقاعاتها أبطأ من إيقاعات التغير، وهناك ظواهر طرأت على حياتنا بانتظار من يحللها بعيداً عن مجرد التوصيف أو المقارنات مع الماضي.وفي القرن العشرين كان مجرد الإعلان عن اختراع جديد يستوقف علماء النفس والاجتماع للبحث عن تجلياته وآثاره في أنماط التفكير والسلوك السائدة.وعلى سبيل المثال ظهرت روايات منها ما تحول إلى أفلام سينمائية عن الهاتف الأرضي والقطار وما كان لهما من تأثير في العلاقات الإنسانية. وهناك من الباحثين من توصل إلى اختلاف ظواهر إنسانية كالحب والصداقة بحيث لم تعد كما كانت، وهذا ما حدث بعد اختراع الكهرباء التي أضاءت الليل وحررته من الأشباح ثم كان لها تأثير في الأدب والصناعة.وهناك الآن تفاوت ملحوظ بين التقدم العلمي المتسارع وأدوات رصد انعكاساته على حياة الناس. فما تغير ليس مجرد عادات، أو أساليب عيش بل ثمة متغيرات ذات صلة بالرؤى والمفاهيم ومناهج قراءة التاريخ، وكذلك المستقبل الذي لم يعد مجرد توقعات أو قراءة طوالع بقدر ما أصبح علماً يسمى المستقبليات، وهو المقابل لما يسمى الحفريات أو الدراسات المعمقة التي تعيد النظر في الماضي وأهم أحداثه!فهل ستشهد السنوات العشر القادمة تطوراً دراماتيكياً يعادل ما أنجز خلال قرن؟
مشاركة :