خيري منصور حين كتب توفلر عن صدمة الحداثة وما سوف يعقبها من صدمات في المستقبل لم يكن العالم قد حقق كل هذه المنجزات التكنولوجية، التي لم يسبق حتى لأصحاب الخيال العلمي أن تنبأوا بها. فما حدث من تطور متسارع خلال نصف قرن قد يعادل ما حدث خلال ثلاثة قرون على الأقل.لهذا فالقادم من الأيام قد يحمل لنا وللأجيال من بعدنا مفاجآت صادمة أيضاً.ومفهوم الصدمة في سياق كهذا ليس تقليدياً، والمقصود به هو أن الإنسان يميل بفطرته إلى ترسيخ عادات ذهنية من شأنها تيسير الحياة واختصار الجهد والوقت، لكن ما يطرأ من تغيرات يتطلب تأقلماً رشيقاً، قد لا يكون متاحاً للجميع، خصوصاً لهؤلاء الذين يصل الحنين إلى الماضي بهم حدَّ الهوس أو النوستالجيا!ومن وظائف العقل حين يكون معافى وحيوياً ترشيد الصدمات،وجعلها قابلة للتحليل والاستيعاب لأنها ليست منقطعة تماماً عن جذورها في الماضي، فالتطور تراكمي بالضرورة وتاريخ العلم كما يقول العلماء يوشك أن يكون تاريخ الأخطاء، لأنه محاولات متعاقبة، والفشل فيه ليس كاملاً، لأنه يدفع الناس إلى تجنب الباب الخطأ، وعدم تكرار المحاولة ذاتها، وهذا بحد ذاته اختصار للوقت.ويرى علماء النفس والاجتماع في عصرنا أن من أسباب القلق والاضطراب في حياتنا التفاوت الشديد بين إيقاعين، هما إيقاع التطور المتسارع والمحموم وإيقاعنا الفكري والسلوكي في التأقلم!وليس من السهل على البشر أن يبدلوا عاداتهم وأساليب العيش التي ألفوها. ويروى عن الشاعر الرومانسي «كيتس» أنه أصيب بالصدمة وهاج وماج وأزبد عندما سمع من أحد العلماء تحليلاً فيزيائياً لقوس قزح، ولو سمع ما يقوله العلماء الآن عن القمر الذي طالما ألهم الرومانسيين والعشاق لربما أصيب بالغيبوبة!لهذا فإن مضادات الحداثة ووضع الهراوات في عجلاتها باقية في كل العصور، وكذلك ما تفرزه جدليتها من سِجال!
مشاركة :