من يقرأ مناهج التاريخ في مدارسنا ، يعتقد أن تاريخ الأمة العربية والإسلامية هو تاريخ حروب وغزوات وفتوحات فقط . وهذا ليس صحيحاً ، فما بقي ولا يزال باقياً من آثار عصر أمتنا الذهبي هو الأدب والفلسفة والعلوم ، وليس السيوف والحراب والرماح . نحن لسنا تتاراً لكي يكون تاريخنا محصوراً في ميادين الحرب ، نحن أمة قدمت للبشرية حضارة عظيمة ، وقادت العالم لعدة قرون في كافة مجالات المعارف العلمية والروحية . الخلفاء والقادة العسكريون لم يصنعوا تراثنا - لا أقصد موروثنا - الذي ما زال حياً وقادراً على التفاعل مع معطيات العصر ومعارفه وحقائقه العلمية . إن الجيش الذي فتح الأندلس ، لم يكن له دور في صناعة حضارتها ، والملوك الذين تعاقبوا على حكمها ماتوا واضطجعوا في كتب التاريخ ، في حين أن كتابين مثل (( فصل المقال )) و (( منهاج الأدلة )) لابن رشد ، ما زالا مؤثرين حتى هذه اللحظة . أما تأثير ابن رشد في الحضارة الغربية الحديثة ، فهو معروف ومعترف به ومقرون بشروحاته للفيلسوف الإغريقي أرسطو . وما يصدق على حكام الأندلس والمعارك التي قادوها ، يصدق أيضا على سيف الدولة الحمداني وحروبه ضد الروم .. فالدولة الحمدانية والحروب التي خاضتها ، ما كان لها أن تأخذ هذا الحيز من الأهمية والمكانة في وجدان ولا شعور الأجيال المتعاقبة ، لولا قصائد المتنبي التي خلدتها وستخلدها إلى الأبد . لقد سبق العالم العظيم ابن الهيثم ، الفيلسوف الفرنسي ديكارت في وضع أسس منهج الشك المعرفي ، ومع ذلك فإنه لا يحظى بعشر معشار المكانة التي يحظى بها طارق بن زياد أو محمد بن القاسم أو مسلمة بن عبد الملك أو موسى بن نصير أو أسد الدين بن الفرات ؟! حتى الحجاج بن يوسف وجد من يدافع عنه ويقرظه في كتب التاريخ ويهتم بسيرته في المناهج الدراسية ، فهل سفاح مثل هذا أهم من ابن رشد وابن الهيثم وابن سينا والفارابي وابن خلدون وابن المقفع والإدريسي والمسعودي والجاحظ وجابر بن حيان والخوارزمي والحلاج والنفٓري وأبي الأسود الدؤلي وأبي حيان التوحيدي والزهاري وابن النفيس وزرياب وسيبويه وإسحاق الموصلي .. وغيرهم وغيرهم ؟! نحن لسنا عثمانيين لكي يكون تاريخنا مقتصراً على الحروب .. نحن أصحاب حضارة عظيمة ، وهو ما يستوجب منا إعادة النظر في مناهج التاريخ الدراسية إنطلاقا من هذه الحقيقة . anaszahid@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :