قراءة في ذاكرة ناج من لهيب الأصولية بقلم: حميد زناز

  • 2/7/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الصحافي السوري عمر يوسف سليمان يحبس أنفاس القارئ الفرنسي الذي تبعده سنوات ضوئية عن الحياة التي يسرد تفاصيلها بأسلوب يجمع بين خفة الروح وقول الوجع.العرب حميد زناز [نُشر في 2018/02/07، العدد: 10893، ص(13)]الثقافة الفرنسية تحتفي بعمر وكتابه “الإرهابي الصغير”، كتاب صدر أخيرا بباريس، للشاعر والصحافي السوري عمر يوسف سليمان. ويحكي فيه قصة هروبه من بطش النظام السوري إلى الأردن مشيا على الأقدام ثم وصوله إلى فرنسا حيث يقيم منذ 5 سنوات والذي يصف رحلته كاتبا “عبرت زمنا لا مكانا، غادرت القرون الوسطي التي تجثم على صدر الشرق الأوسط”. وهو يشارك بباريس في المظاهرة التاريخية ضد الإرهابيين الذين اغتالوا صحافيي الأسبوعية الهزلية شارلي ايبدو التي كانت في نفس اليوم 07 يناير عام 2015، نقرأ عمر سليمان يقول “كنت مؤمنا بأفكار القاعدة وكان حلمي الأكبر والأحب إلى قلبي هو أن أكـون إرهابيا. ولـو لا تحرري من كل هذا الفكر الأصولي لكنت قادرا أن أكون واحدا من هـؤلاء الـذين ارتكبوا جريمة هذا الصباح”. وما يشد الانتباه في الكتاب هو ذلك الصراع النفسي الحاد الذي عاشه عمر يوسف سليمان، المراهق لمدة أربع سنوات من 1999 إلى 2003 في المملكة العربية السعودية جرّاء عملية الأسلمة الممنهجة التي تعرّض لها في المدرسة ككل تلاميذ البلد. صراع يومي لا يهدأ بين رغبات المراهق الذهنية والجسدية الطبيعية والممنوعات الدينية المؤثمة. ينقلنا المؤلف إلى جو اجتماعي / عائلي/ مدرسي خانق يحبس أنفاس القارئ الفرنسي الذي تبعده سنوات ضوئية عن الحياة التي يسرد تفاصيلها الكاتب بأسلوب ممتع يجمع بين خفة الروح وقول الوجع. يحضر القارئ عبر مئتي صفحة لشبه حرب أهلية تعترك في وجدان ذلك المراهق الذي كأنه الكاتب، حرب بين براءة الطفل عمر وقسوة الكبار المنخرطين في السلفية، تجري في أجواء اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما خلّفته تلك الكارثة من آثار نفسية مدمرة في نفوس الأطفال والمراهقين بسبب إعجاب الأولياء والمعلمين والدعاة بمنفذي العملية الإرهابية. ويتحدث عن جو الرعب الذي تفرضه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الناس وكيف يضع عناصرها القساة الجميع تحت رقابة فقهية مشددة لا ترحم. لاحظ عمر أن المؤسسات التعليمية الخاصة بالفتيات لا تحمل أسماء وإنما أرقاما عكس المخصصة للذكور التي تحمل غالبا اسم أحد الصحابة لأن المجتمع لا يفضل أن يعلي اسم رجل عظيم من شأن نساء ناقصات عقل ودين. يخبرنا عمر في الكتاب بأن كل الأساتذة كانوا من خارج المملكة العربية السعودية أما أستاذ مادة التوحيد، فكان سعوديا لأن الإدارة آنذاك، لا تثق في الأجانب حينما يتعلق الأمر بتعليم الدين، ولكن، في كل المواد، يخبرنا كان الأساتذة ينهون جملهم بعبارة “و الله أعلم”.. وحتى أستاذ الرياضيات فكان كلّما حلّ معادلة كتب تلك العبارة على اللوح.عمر يوسف لاحظ أن المؤسسات التعليمية الخاصة بالفتيات لا تحمل أسماء وإنما أرقاما عكس المخصصة للذكور و نقل الكاتب حوارا يحبس أنفاس القارئ دار بين أستاذ وتلميذه داخل القسم وبحضور كل التلاميذ في درس التاريخ. لقد عدّد الأستاذ بطولات صلاح الدين الأيوبي قائلا “بعد ما استولى على القدس، هدّم صلاح الدين كل الصلبان وأعاد ترميم المساجد، لقد كان بطل تاريخنا واليوم نحن بأشدّ الحاجة إلى رجال مثله ليعيدوا إلى المسلمين كرامتهم… ويجب أن يكون هذا الرجل مثلكم الأعلى” وسأله التلميذ “وهل يمكن أخذ نساء اليهود كسبايا؟”، ويرد الأستاذ مبتسما “هذا ما يهمّك أنت.. نعم تستطيع ولكن قبل ذلك يجب أن تصبح جهاديا (…) هدف الحرب هو إرضاء الله، أما بالنسبة للنساء السبايا فلا يمثلن سوى جزء من الغنيمة”. ويقدم لنا الكاتب من خلال هذا المثال وكثير غيره صورة حية عن مناهج التدريس آنذاك، تجعل القارئ يدرك ضرورة الإصلاحات التربوية التي تستعد السلطات السعودية القيام بها والتي تبتغي مراجعة كاملة للمناهج. وينقلنا عمر إلى الجو العائلي الذي لا يقل أسلمة من المدرسة حيث نجد أمه تقول له أو لأخيه على طاولة العشاء لشحذ شهيته “غذّ جسدك جيدا لتصبح جهاديا كبيرا مثل أسامة بن لادن”. أما الموجّه التربوي فيخطب في حفل توزيع الجوائز على التلاميذ المتفوقين وعمر من بينهم “النجاح في الحياة أمر مهم ولكن الآخرة هي الأهم بكثير. تذكروا قول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور”.ِ نقرأ أيضا لعمر وهو يعاني الأمرّين جرّاء التأثيم المسلط عليه باستمرار: آلام في بطني طول النهار، في المساء تمددت على فراشي وأنا مرعوب خوفا من أن الله سيعاقبني عن ذنوبي. لقد استمنيت الأسبوع الماضي ثلاث مرات. قدّمت لي أمي دواء ولكن دون جدوى. خفت أن أموت وكيف لي أن ألقى الله وأنا محمّل بكل تلك الخطايا؟ “عمر الصغير، هكذا كان يناديني الأهل واليوم وبعد أن اكتشفت الدين الصحيح في عالم الشر هذا، قررت أن أغيّر لقبي، سيكون من الآن فصاعدا ‘الإرهابي الصغير’، ما يهمني في المقام الأول هو أن أصبح إنسانا حرا”. وفي المقابل، يكتب “الإرهابي الصغير”: لا يوجد أي فرق بين الجهاديين في البلد الذي ينوي الذهاب إليه، أفغانستان. فهم من كل الجنسيات ومن كل البلدان ويقاتلون كالإخوة تحت علم واحد يحمل كلمة التوحيد. في افغانستان لن أخاف من أحد سأكون قويا وحرا سأكون مثل الشيخ أسامة. ويتابع قائلا “يحاول الشيطان أن يغريني ويزرع الشك في قلبي وأنا في الحجّ أمام الكعبة ربما يختبر الله إيماني”. ولهذا السبب يريد عمر أن يموت شهيدا في أقرب وقت ممكن ليتخلص من الألم الذي تركه الشك في أعماقه لأن في تلك الفترة كانت تستبد به أسئلة كثيرة حول الإسلام إلى درجة كان يستيقظ ليلا وهو ينضح عرقا باردا، وكانت مسألة جهنم أكثر إيلاما من أي شيء آخر. يقول عمر “كنت أرى ألسنة اللهب السوداء وأخاف أن تلتهمني إن متّ بلا إيمان”. ومن حسن الحظ أنه نجا من الموت مرعوبا وودّع طفولته، طفولة مسلم تربى وسط عائلة سلفية عادية ككل أترابه. وإن استطاع عمر يوسف سليمان أن يستبدل ظلمة الأصولية بنور العقلانية، فإن الملايين من الأطفال والمراهقين العرب لا يزالون تحت ربقة خطاب الرعب السلفي.

مشاركة :