الرواية في فضاء فلسفي بقلم: حميد سعيد

  • 2/10/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إن اختصاص الكاتب، واختيار موضوعاته، وفي هذه الرواية تحديداً، اختيار أشخاصها، كان لا بد أن يجعل منها نصاً فكرياً، يتجاوز ما هو يومي إلى ما هو وجودي، ويصل بها إلى فضاء فلسفي.العرب حميد سعيد [نُشر في 2018/02/10، العدد: 10896، ص(14)] اخترت هذا العنوان، لأنني رأيت فيه ما يعبر عن انطباعاتي التي خرجت بها من قراءة رواية “عندما بكى نيتشه” للكاتب الأميركي إرفين د. يالوم، وهذا الكاتب مفكر وجودي وأكاديمي وطبيب نفسي، له عدد من المؤلفات في حقل علم النفس، وله أيضاً روايات تناول فيها إشكاليات فلسفية تتعلق بفلاسفة معاصرين معروفين، ومن هذه الروايات “مشكلة اسبينوزا” و”علاج شوبنهاور” وغيرهما. إن رواية “عندما بكى نيتشه” الصادرة عن دار الجمل، وقد ترجمها إلى العربية خالد الجبيلي، اختار المؤلف أبطالها من كبار المفكرين الأوروبيين في القرن التاسع عشر، الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه والدكتور جوزيف بريوير والعالم سيغموند فرويد والباحثة الاجتماعية لو سالومي، كما ترد في سياق النص الروائي شخصيات فكرية أخرى. إن المكون الأهم في هذه الرواية حوارات مستمرة بين نيتشه والدكتور بريوير، وهي حوارات فكرية فلسفية اتسمت بالعمق، أعترف بأنها أرهقتني في القراءة، وكنت أعمد إلى إعادة قراءة بعضها لأتواصل مع ما يرد فيها من أفكار، وإدراك جوهر مقولاتها. وقد ذكرتني بحوارات فلاسفة الإغريق، بل لو جردنا النص الروائي من بعض مقومات السرد، لكان الحوار بين الرجلين من قبيل حوارات الفلاسفة الإغريق التي طالما اتسمت بالتجريد الذهني. إن اختصاص الكاتب، واختيار موضوعاته، وفي هذه الرواية تحديداً، اختيار أشخاصها، كان لا بد أن يجعل منها نصاً فكرياً، يتجاوز ما هو يومي إلى ما هو وجودي، ويصل بها إلى فضاء فلسفي. إنها رواية مختلفة، ليس في موضوعها فحسب، بل في بنيتها السردية، ووصفها بأنها مختلفة، قياساً بروايات تتناول موضوعاً اجتماعياً، حيث تتحكم تجربة الكاتب بالنص، وتنتقل الفكرة من ذهن الكاتب إلى الورقة البيضاء أو إلى شاشة الكمبيوتر، أي أنها إبداع ذاتي من دون مصادر أو مراجع أو اختبارات. ولو توقفنا عند ما جاء في الصفحات الأخيرة من الكتاب – الرواية، تحت عنوان” ملاحظة من المؤلف” لتأكد لنا هذا الاختلاف، إذ يكشف لنا الكاتب بعض مصادره. ويقول بأنه مدين لفان هارفي، أستاذ الدراسات الدينية في جامعة ستانفورد، لسماحه له بحضور فصله الدراسي الرائع عن نيتشه، وللساعات العديدة من المناقشة والقراءة النقدية لمخطوطة “عندما بكى نيتشه” كما تحدث عن شعوره بالامتنان لزملائه في قسم الفلسفة، والقول بأنه حضر فصولاً دراسية عن الفلسفة الألمانية وعلم الظواهر، وإنه تلقى مقترحات عديدة حول مخطوطة هذه الرواية، من عدد من الباحثين في الحلقة الدراسية عن السيرة الذاتية في جامعة ستانفورد والدور المهم الذي أدته أمينة مكتبة تاريخ الطب في الجامعة. ويخبرنا أيضاً بقيام أحد زملائه في الجامعة بترجمة الرسائل الموجهة من نيتشه إلى لو سالومي، من الألمانية إلى الإنكليزية، فأفاد منها في عمله الروائي هذا. وذكر أيضاً أسماء عدد من الأشخاص الذين قدموا له نصائح بشأن تحرير نص الرواية، بل لقد أخبرنا بدور زوجته مارلين، التي كانت أهم وأشد المنتقدين لعمله هذا، والتي لم تكتف بانتقاداتها الشديدة منذ بداية المسودة حتى نهايتها فحسب، بل إنها اقترحت عنوان الرواية أيضاً. ومن خلال هذه المعلومات نعرف أن العمل الروائي لم يعد نصاً أحادياً، يكتبه الروائي في مقهى أو في مكتبه أو في مكتبة عامة، أو في أي مكان عام، حيث عدته في الكتابة ذاكرته وخياله وتجربته وثقافته، بل لقد كنا مع أرفين د. يالوم، في ورشة أو في مختبر، حيث يتعاون كثيرون، كل منهم حسب دوره وما هو مطلوب منه، لتكون هذه الرواية، التي تتحرك بجميع أحداثها في فضاء فلسفي، يكرسه حوار فكري يفيد من تجارب أبطالها الحياتية والفكرية. كاتب عراقيحميد سعيد

مشاركة :