يوسف أبولوز جهد كبير حقاً ما بذله الشاعر المصري رفعت سلّام في ترجمته الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الأمريكي والت ويتمان 1819 1892، فقد جاءت هذه الأعمال في 900 صفحة من القطع الكبير، ولو قسّمنا هذه الصفحات على ستة كتب من القطع الكبير بواقع 150 صفحة، لعرفنا أن هذه الترجمة المترامية الأطراف هي عبارة عن ستة كتب في كتاب واحد، ومرة ثانية هو عمل ضخم قام به فرد واحد، وهو مشروع ترجماني بكل معنى الكلمة، إذا عرفنا أن سلاّم قبل ذلك قد أنجز ترجمة أعمال كاملة في مثل هذا الحجم لكل من اليوناني قسطنطين كفافيس، وللفرنسيّيْن شارل بودلير، وآرثر رامبو.ينطلق رفعت سلّام في مشروع الترجمة الذي يعمل عليه منذ سنوات طويلة من رؤية خاصة به تجاه ترجمة الشعر، فهو لكي يضيء على والت ويتمان من حيث نقله إلى العربية يقول: «في الإبداع الأدبي، بخاصة في الشعر، لا ترجمة نهائية أخيرة». ويوضح قوله هذا من منطلق أن النص الإبداعي «حمّال أوجه» كما يقول، مضيفاً.. «التأويل هو سيد القراءة والترجمة بلا يقين».هذا الفهم الذي يطرحه رفعت سلّام بخصوص ترجمة الشعر يجعلنا نقرأ والت ويتمان هذه المرة باطمئنان كبير، فالشاعر المترجم يقول لنا مباشرة وفي أوّل المقدمة إن الشعر وترجمته لا ينفصلان أبداً عن «التأويل»، وفعلاً إن الشعر هو أكثر من كتابة وأكثر من طبقة نصيّة إن جاز القول، فهناك مستويات وأعماق للنص الشعري الواحد من المستحيل أن تقف عليه ترجمة واحدة بعينها وينتهي الأمر.إننا نعرف أن عدداً من الشعراء العرب ترجموا والت ويتمان، وسهولة ترجمته تكمن في نقله من الإنجليزية التي يجيدها الكثير من الكتّاب العرب إلى العربية، ولكن عدداً من هذه الترجمات لا يرقى إلى كونه «مشروعاً» متعوباً عليه تعب رفعت سلّام الذي قدم لترجمته بمقدمة وافية وافرة في 73 صفحة، أضاءت على مناطق نعرفها للمرة الأولى في حياة صاحب «أوراق العشب» وقد شرع بكتابة «أوراقه» هذه في العام 1850.. «.. وطبع» أوراق العشب في مطبعة محلية صغيرة في بروكلين.ولد والت ويتمان في العام 1819، وولدت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1776.. أي أن أمريكا كانت تكبره فقط بحوالي 150 عاماً تعرّضت خلالها ثقافة الهنود الحمر.. السكان الأصليين إلى المحو والاستبداد، وأصبحت أمريكا حلماً لمن يريد العيش في هواء الحرية والثراء، وأصبحت دولة قانون ومؤسسات وحروب أيضاً تالياً (الحربان العالميتان الأولى والثانية).. غير أن والت ويتمان هو ابن أمريكا الأولى، أمريكا التي كانت إسفنجة امتصاص للشعوب التي هاجرت إليها لتصبح مجتمعاً خليطاً من ثقافات وألوان ومعتقدات.. وأيضاً أمريكا التي خاب ظن ويتمان بها، فقست عليه، لكنه ظل رمزها الثقافي، وأول شعرائها الكبار.تحضر إليك هذه التداعيات وأنت تمسك ب«سِفْر» ويتمان وتعجب لأنك لن تجد أمريكا في هذا «السِّفْر» أو في هذا «الدستور الشعري الكبير»، وإن وجدت أمريكا في «أوراق العشب»، فهي على شكل ظلال أو أشبه بسراب أو أطياف.. وأحياناً، تظهر المدن «بروكلن» مثلاً، وأحياناً، ومن بعيد تبدو الحرية شاحبة أو مريضة، ولكن من قريب تبدو الحروب والمعسكرات.. والديمقراطية.. «الديمقراطية المنتصر القدري. لكن ابتسامات خائنة على الشفاه في كل مكان، والموت والغدر في كل خطوة..».
مشاركة :