هل باتت إيران، وعن حق، العامل الرئيس في زعزعة إستقرار منطقة الشرق الأوسط عامة والخليج العربي خاصة؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك قولاً وفعلاً، وليس أدق على هذا التوصيف من المشاهد التي رأيناها الأسبوع الماضى، حينما حركت طهران واحدة من طائراتها الموجهة بدون طيار إلى داخل الأراضى الإسرائيلية. يتساءل المرء: “ماذا كان وراء تلك الخطوة غير واضحة المعالم؟ وهل كانت طهران تختبر جهوزية إسرائيل أم أنها تسعى لجر إسرائيل إلى معركه أكبر، معركة يمكن لها أن تتسع لتشتعل النيران في المنطقة برمتها، وربما تتدحرج كرة اللهب لتمسك بتلابيب القوى العظمي المتواجدة طليعتها في المنطقة؟ التحليلات والتفسيرات عديدة، غير أن السيف أصدق إنباء من الكتب، ففي حين كانت الطائرات الإسرائيلية تدك المواقع السورية وبينها أربعة مواقع إيرانية، كان “حسين سلامي” نائب القائد العام للحرس الثورى الإيراني يتشدق كعادة الإيرانيين بالقول: “إننا قادرون على فتح أبواب جهنم على إسرائيل متى أردنا”… والتساؤل: متى تريدون؟ وماذا بعد قصف مواقعكم مباشرة؟. قبل الجواب المباشر، لا بد لنا وأن نشير إلى أن إيران تسعى جاهدة لخلط الأوراق وخلق حالة من البلبلة بين ما هو سياسي وذاك الذي هو ديني، وهي بين هذا وذاك تغازل التيارات الأصولية في المنطقة، في محاولة لإظهار ذاتها على أنها “إمام المؤمنين وحارس الدين”، وأن غيرها لا يستحق شرف الدفاع عن الإسلام بنوع خاص. تصريحات الإيرانيين الأخيرة تبين كيف أنهم يغزلون على مغزل الفتنة والحرب الدينية لاسيما مع إسرائيل، الأمر الذى ترحب به “تل أبيب” أيما ترحيب، لأنه يزخمها مجاناً بمبررات الإدعاء بنقائها ويهودية دولتها، ويتيح لها المزيد من البكاء والعويل على مظلوميتها التاريخية، وسط العرب والمسلمين أعداء السامية وكارهي البشر بحسب توصيفهم. “حسين سلامي” عينه وفي بقية التصريح المتقدم يضيف: “إن إسرائيل اليوم باتت تسمع صوت جنود الإسلام عند حدودها” وإن “نبؤة المرشد الأعلى بزوال إسرائيل قبل عشرين عاماً في طريقها للتحقيق”. الغرور غير المبررر عند “سلامي” يكتمل في حديثه عن الدور الإيراني القادم ولا شك…..” على أمريكا وإسرائيل أن تنتظرا الهزائم والمصاعب، سنلاحقهم في كل مكان إلى أن يتركوا العالم الإسلامي وشأنه”. تستعدي إيران الجميع وتعطي المبررات الكافية لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية للإعداد للحرب الشاملة القادمة، وقد تكون حربا هجين، بل إن الإوروبيين بدورهم في طريقهم لتغيير رؤيتهم من الإتفاقية النووية، طالما بقيت إيران سادرة في غيها لا يردعها شيئ عن تطوير برنامج صاروخي شريك ولاشك لنظيره في كوريا الشمالية بنوع خاص. الإيرانيون عامل الإضطراب الأكبر في الخليج العربي والشرق الأوسط بوجه عام عازمون على تطوير صواريخ باليستية، وبعضها اليوم يطال أوربا بالفعل، فيما التصريحات العنترية التي تبين أن الإيرانيين دخلوا مرحلة مغالطة الذات من جهة وسيطرة الأكاذيب على واقعهم المعاش من ناحية ثانية، تمثلت في الإدعاء بأن طهران تمتلك تكنولوجيا صاروخية لا تمتلكها أمريكا ولا روسيا، صواريخ أسرع من الصوت بعدة مرات وقادرة على تدمير القواعد الأمريكية في المنطقة، ناهيك عن تحويل إسرائيل إلى جهنم. ترى من الأكثر سعادة حول العالم بتصريحات إيران هذه؟ بلا شك تمثل هذه التهويمات نصراً مؤازراً أدبياً بداية لبنيامين نتانياهو إذ تؤكد لحلفاء الرجل أنه على حق في كل ما مضى إليه… ماذا يعني ذلك؟ في رحلته الأخيرة إلى موسكو تكلم نتانياهو بوضوح وصراحة مع بوتين قيصر روسيا، وسيد الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة عن أن تل أبيب لن تقبل بأن يتحول لبنان إلى موقع كبير لتصنيع الصواريخ الدقيقة ضد إسرائيل.. ما قاله رئيس وزراء إسرائيل لـ”بطرس الأكبر” الجديد ضمناً، صرح به “نفتالى بينيت” زعيم “البيت اليهودي” واليمين الإسرائيلي علناً: “يجب أن تمضي إسرائيل في طريق العمل العسكري ضد إيران بوصفها (رأس الأخطبوط) وعدم الإكتفاء بضرب حزب الله”. علامة إستفاهم مثيبرة للجدل.. ما الذي تريده موسكو من تلك المنطقة المشتعلة باللهب؟ يبدو أن القيصر لا يشغل ذاته ولا حكومته كثيراً بالعرب والمسلمين ولا باليهود، وجل ما يود أن يفعله هو تأكيد سطوته وتحديد موقعه وموضعه على خارطة الشطرنج الإدراكية الجديدة في منافسته الشعواء مع الأمريكيين. ما جرى الأيام الماضية كان في أحد أوجهه شكلًا من أشكال صدام بالوكالة، فالجميع يعلم أن سماوات سوريا مغطأة بشبكة صواريخ روسية متقدمة، وقد خيل للجميع أن الصاروخ الذي أسقط الطائرة الـ (F16) الإسرائيلية الهوية، الأمريكية الصنع هو أحد صواريخ S300 أو S400 الروسية المتقدمة جداً والمتواجدة في قاعدة حميميم التي باتت أرضا روسية، لكننا اكتشفنا لاحقاً أن من قام بالمهمة هو صاروخ (S200) يعود إلى الثمانينات وهو أيضاً صاروخ روسى، زودت به الدفاعات الجوية السورية منذ أكثر من عشرين عاماً. الروس اليوم يردون الضربة للأمريكيين الذين أسقطوا طائرتهم المتقدمة قبل أيام عبر صاروخ يرجح أن يكون “سيتنغر”، أي ذات الصاروخ الذي أجبر السوفيت على الإنسحاب من أفغانستان في ثمانينات العقد الماضى… كيف سيكون الحال إذا استخدم الإيرانيون أو السوريون عينة من الصواريخ الأخري الأكثر تقدماً للدفاعات الجوية؟ وأي شلل سيصيب ذراع إسرائيل الطويلة؟. الصراع إذن أوسع وأخطر من الأبعاد الثلاثية: إيران، سورية حزب الله، إسرائيل، إنه صراع الأقطاب الكبرى، وما الشرق الأوسط إلا ميدان ضرب نار وتصفيه حسابات، وعض أصابع وجس نبض. المشهد الأممي مرشح للإنفجار بإمتياز في لحظة من سخونة الأدمغة، أو عبر خطأ بشرى غير مقصود، وبين هذه وتلك تبقى طهران فتيل الإشعال الحاضر لقلب العالم رأساً على عقب، مدعومة بمنطلقات عقائدية بأكثر من سعيها لحرب عسكرية أو أيديولوجية.
مشاركة :