مع بدايات فصل الصيف، ورغم أنه يبدأ رسميا في 21 يونيو من كل عام ، وفي ظل موجات الحر الشديد التي ضربت الشرق الأوسط، أرتفعت الأصوات تتساءل عن مصير الإقليم جغرافيا، لا سيما في ظل التغيرات المناخية القائمة والقادمة، تلك التي تبسط أجنحة القلق على العالم برمته شرقا وغربا . يبدو من ملاك القول أن الشرق الأوسط لن يكون إستثناء ذات مرة من الحالة العامة للكرة الأرضية، وتحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريa حاضرة من أن موعد إستنقاذ الكوكب الأزرق تكاد تفلت من بين يدي سكانه، مع الأخذ في عين الإعتبار، أنه ما من كوكب أخر بديل حتى الساعة، ولا حتى في أفلام الخيال العلمي . في الخامس من يونيو حزيران الجاري، نشرت مجلة ناشيونال انترست الأمريكية الشهيرة مقالا لآدم لامون، المحرر التنفيذي للمجلة والباحث في دراسات الشرق الأوسط في مركز المصلحة الوطنية تحت عنوان : “هل يستطيع الشرق الأوسط تجنب كارثة المناخ القادمة؟ ما هي أهم النقاط التي تتهدد مناخيا الشرق الأوسط، وقبل قراءة لامون المشار إليها؟ البداية من عند ظاهرة الإحتباس الحراري، وتبعاتها، بدءا من قلة سقوط الأمطار، ثم جفاف الأرض، فظاهرة التصحر، وبالتالي مضاعفة أزمة الغذاء في المنطقة لا سيما بعد الإشكاليات التي ولدتها الحرب الروسية – الأوكرانية، من جراء وقف تصدير الحبوب من جهة، وتعطل سلاسل الإمداد العالمي من ناحية أخرى، بعدما صار رغيف الخبز، أداة من أدوات الحرب بين بني البشر. من ناحية أخرى تبدو قضية إرتفاع درجات الحرارة في إقليم الشرق الأوسط ، سببا مباشرا للتكالب على الطاقة التقليدية لتوليد الكهرباء، في محاولة لتبريد الأجواء، وليس سرا أن غاز الفريون وما شابه له ارتدادات سلبية وعكسية على المناخ العالمي، كما أن المزيد من محاولة تلطيف الجو، تعني المزيد من إستهلاك النفط، وفي ظل إرتفاع أسعاره سينعكس ذلك من جديد على ميزانية الأسرة العربية، في أوقات التضخم والكساد، ما يؤذي وبقوة حالة النسيج المجتمعي، ويتسبب بطريق غير مباشر في حالة من حالات الإحتقان الأهلي ، وبخاصة في إطار الدول الغير نفطية والتي تجاهد للنجاة من طوفان التطورات أو بمعنى أدق التدهورات الاقتصادية العالمية والمحلية معا . من بين المخاطر التي يتعرض لها الإقليم كذلك، تأتي أزمة النحر، ذلك أن إرتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، يعني زيادة منسوب البحار والمحيطات بفعل ذوبان الأقطاب الجليدية، وبالتالي فإن المدن المشاطئة لدول المنطقة، تبدو عرضة لمزيد من الغرق تحت سطح المياه ، مع ما لذلك من خسائر جغرافية وديموغرافية في الحال والإستقبال دفعة واحدة . كارثة التغيرات المناخية في العالم، أطلقت عليها بعض التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تعبير ” الزمن العنصري للمناخ “، أي الأوقات التي تمارس فيها الطبيعة نوعا من أنواع التهديدات التي تبدو وكأنها عنصرية، بمعنى أنها تستهدف مناطق جغرافية بعينها، ومع موجات الحر الطويلة التي تصيب تلك الأرجاء، يحدث ضياع للخمسين عاما الماضية من التنمية والصحة، وتزداد حالة الفقر، ويفتقر الملايين، ومن أسف شديد سيكون الشرق الأوسط في القلب من تلك التغيرات لا سيما في ظل الكفاح الصعب لمعالجة نقص التيار الكهربائي، وعدم المساواة الاقتصادية ، والأضرار البشرية التي زادت منها موجات الحر الطويلة . هل هناك علاقة ما بين التغيرات المناخية وبخاصة إرتفاع درجات الحرارة، مع معدلات التنمية الإقتصادية، تلك التي تأثرت ومن سوء الطالع مؤخرا مرتين في الأعوام الثلاثة المنصرمة، مرة من جراء فيروس كوفيد- 19 الشائه من جهة، ومرة أخرى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، تلك التي لا يعلم الإ الله وحده متى تنتهي وما هي مآلاتها، وهل يمكن أن تؤدي بالفعل بالعالم إلى شتاء نووي، هناك حيث يكون البكاء وصرير الأسنان؟ الجواب عن علامة الإستفهام المركبة المتقدمة، يأتي من عند صندوق النقد الدولي، والذي يخبرنا بأنه :” في مواجهة كل درجة حرارة مرتفعة، ينخفض النمو الاقتصادي للفرد بحوالي نقطتين مئويتين “، الأمر الذي يجعل عدد من الدول في المنطقة في وضع كارثي لا محالة . جانب أخر من جوانب التغيرات الإيكولوجية المفزعة، والموصول بالمياه، تلك السلعة الحياتية التي لا غنى عنها للإنسان والحيوان والنبات، ومنها كانت الحياة . بإختصار غير مخل، ارتفاع درجة حرارة المنطقة ، يؤدي حكما إلى انخفاض معدلات هطول الأمطار السنوية، ما يعني تفاقم أزمة المياه في الشرق الأوسط، والتي تعد واحدة من أسوأ أزمات المياه في العالم بسبب المناخ الجاف في المنطقة، وبسبب سنوات من سوء إدارة الموارد المائية، ودعم الزراعة، وتربية الحيوانات كثيفة الإستهلاك للمياه . أمر أخر موصول بالمياه، وهو الإستقرار السياسي والأمني، وإحتمالات تفجر حروب وصراعات شديدة البأس، وهناك العديد من الدول المرشحة للدخول في معارك ضارية بحثا عن نقطة المياه، وليس سرا مرة أخرى القول أن بعض المؤامرات السرية، باتت تستخدم سلاح المياه، مما يزيد من شكل عالمنا المضطرب، ويجعل خطوط الصدع قابلة للإنفجار . هل مرار ودمار الشرق الأوسط قدر مقدور في زمن منظور مناخيا؟ بالقطع يبدو المشهد العالمي البيئي مأزوما إلى أبعد حد ومد، غير أن ذلك لا يعني الإستسلام مرة وإلى الأبد، بل السعي الحثيث إلى أفكار الإبتكار لمحاربة الأزمة . بعض من تلك الأفكار تعلمها الإنسان من الطبيعية، وذلك من خلال التشجير، ومحاولة تغيير حالة الطقس عبر التمثيل الضوئي للنباتات، وزراعة الغابات، وبعضها الأخر يستدعي تغيير في أدوات وآليات الزراعة القديمة، تاليا إستخدام الطرق الحديثة حفاظا على المياه، وتوفيرا للهدر الجارية به طرق الحرث والري والزرع العتيقة . وبجانب ما تقدم البحث عن أنواع الطاقة النظيفة وخلق مناخات صديقة للبيئة، تقل فيها العوادم وتتوارى في دروبها الإنبعاثات الضارة . ولعل واحدة من أهم الأفكار، موصولة بالعمل الجماعي الشرق أوسطي، لا سيما من قبل الدول المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط، ومعهما البحر الأحمر . تبدو أزمة المناخ أكثر خطورة من إحتمالات إستخدام الأسلحة النووية، فالأخيرة تحتاج إلى قرار بشري، فيما الأولى ستمضي لا قدر الله رغم إرادة البشر، وأن جاءت قسرا وبسبب إدارتهم . هل يقدر لسكان المنطقة التفكير بعقل بارد في أزمة ساخنة؟
مشاركة :