في العام 1963 أصدر الكاتب والأديب المصري الكبير الراحل توفيق الحكيم، روايته الشهيرة “الطعام لكل فم”، وفيها يحاول أحد ابطالها، وهو شاب مثقف طموح، مهموم بشأن البشرية، البحث عن طرق تجعل الطعام متوافرا لكل فم. المقاربة مثيرة، بين الطعام لكل فم، ما يعني الحياة، والنووي لكل يد ما يفيد بالفناء والدمار، وقد يكون هذا هو حال الشرق الأوسط في القريب العاجل، لا سيما في ضوء السعي الأمريكي الحثيث، لعقد اتفاق نووي جديد مع إيران. حان وقت الصدق والوقفة مع الذات عربيا وشرق أوسطيا، وقت طرح القضايا المصيرية من غير تهوين أو تهويل، لا سيما وأن خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة بالاتفاق النووي 5+1، لم تكن سوى مجرد طريق ملتوى لوصول إيران إلى سلاحها النووي، واكتشاف ذلك أمره يسير، لا سيما وأن عمر الاتفاق زمنيا 15 عاما، تكون فيها إيران قد رتبت أوراقها بشكل جيد، لا سيما الاقتصادية منها، ما يعني أنها لن تضحى تحت ضغوطات العقوبات الاقتصادية بشكل أو بآخر، وساعتها لن يمنعها أحد من إنتاج سلاحها النووي. نوايا إيران في امتلاك القنبلة النووية يثبت للداني والقاصي يوما تلو الآخر، بل إن علامة الاستفهام المثيرة في الأوقات الأخيرة، موصولة بإمكانية تكرار سيناريو كوريا الشمالية، بمعنى أن يصحو العالم ذات نهار ليجد إيران قوة نووية.. هل هناك في الأفق ما يبرر ذلك التوقع؟ يمكن أن يكون ذلك كذلك فعلا وقولا، وبخاصة أن مجموع المواقف الإيرانية الأخيرة يفتح الباب لشكوك واسعة حول ايران، والتي إن لم تكن قد حازت سلاحا نوويا، فهي على وشك الحصول عليه، ومن دلائل ذلك، تصريحات مستشار قائد القوات المسلحة الإيرانية حسين دهقان، عن أن أمريكا ليست في موقع يؤهلها لوضع الشروط للعودة للاتفاق النووي. أما المفاجأة الكفيلة بتغيير الأوضاع وتبديل الطباع، فهي إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الثامن من فبراير شباط المنصرم، عن وجود بضعة جرامات من اليورانيوم المعدني في منشأة أصفهان، مما يتيح لإيران إستخدامه في أسلحتها النووية، بعد إنتاجه محليا من أراضيها. كان اتفاق العام 2015 معيبا بالقصور الذاتي، رغم تبرير الدول دائمة العضوية التي رأت أنه يضع ضوابط نووية تتجاوز ما هو متوفر في إطار معاهدة عدم الانتشار النووي، وللمرء أن يتخيل كيف يمكن أن يكون أي اتفاق أمريكي جديد مع الملالي، أولئك الذين قاموا عمدا بتشتيت التركيز، عبر توسيع دائرة الخطر، من برنامج نووي، إلى آخر صاروخي، مرورا بتوسعات في أوضاع البحرية الإيرانية، وصولا إلى الحرب السيبرانية، وهجمات الهاكرز، وانتهاء بالأذرع الميليشياوية، تلك التي زودتها طهران بصواريخ باليستية بعيدة المدى، وبطائرات مسيرة خبيثة تقض مضاجع الآمنين يوما تلو الآخر. يصعب جدا الاعتقاد بأن إدارة بايدن لديها رؤية شاملة للخطر الإيراني المتصاعد، وغيها السادر إقليميا، وإرهابها المنتشر أمميا، الأمر الذي يعني أن إيران حكما سوف تدرك طريقها للسلاح النووي عما قريب، وهذا ما يعود بنا إلى عنوان القراءة النووي لكل يد. في هذا السياق تبقى مسألة السعي من قبل دول المنطقة لإنتاج أسلحة نووية، وليس مجرد حيازتها فحسب، أمرا طبيعيا، لتخفيف القلق الناتج عن الاختلاف الأيديولوجي التاريخي. يغيب عن إدارة بايدن وهي تسعى حثيثا وسريعا وراء عقد اتفاق، حكما سيكون مرحليا مع إيران، أن فكرة الأمن للجميع، لا تتحقق إلا بتوازن خلاق بين الأطراف المتنافسة دوليا وإقليميا، ضمن منظومة الأمن القومي بشقيها العسكري والسياسي. ماذا حال اختل مثل هذا التوازن؟ الجواب واضح ويسير، إذ سيسعى كل طرف لضمان أقصى قدر من تحقيق سلامة شعبه، وحماية أراضيه، ما يعني النووي لكل يد، كبديل مشروع، وإن كان أكثر كلفة، وأشد خطورة، وتداعياته أشد هولا على المنطقة برمتها. تدرك واشنطن أن هدف إيران الحقيقي هو الحصول على السلاح النووي، ما يجعل منها المكافئ الموضوعي لإسرائيل، وبهدف إحداث توازنات أول الأمر، وتقسيم مناطق النفوذ تاليا، وعليه يعن لنا مباشرة التساؤل: “هل هو قدر على بقية دول الشرق الأوسط أن تقف كالمتفرج ومصائرها تتقاذفها قوى غير عربية لم تحمل لها الخير يوما؟ قبل بضعة أيام كانت صحيفة الغارديان البريطانية تشير إلى صور التقطت عبر الأقمار الإصطناعية، بواسطة الفريق الدولي المعني بالمواد الإنشطارية، تكشف عن توسيع إسرائيل لحجم منشآتها النووية الواقعة جنوب البلاد، في مدينة ديمونا، في صحراء النقب، والتقرير يشير إلى أنه في وقت مبكر جدا من عام 2019، وربما أواخر 2018، بدأت إسرائيل التوسع في مشروعها النووي من جديد. هل فات أوان شرق أوسط خال من الأسلحة النووية؟. مع بدايات العقد الحالي، أصدرت الاستخبارات المركزية الأمريكية تقريرا أشارت فيه إلى أن هناك نحو 13 دولة مرشحة لامتلاك السلاح النووي، شرط توافر الإرادة السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يخل بموازين القوى في مناطق عديدة حول العالم، ومنها الشرق الأوسط. الذين قدر لهم مطالعة مجلة الفورين أفيرز الأمريكية مؤخرا، حكما صادفهم تقرير رفيع المستوى قام عليه نخبة من الأمريكيين والأوربيين، في مقدمهم تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ومالكوم ريفكند نظيره البريطاني، خلاصته أن حلفاء أمريكا المقربين لم تعد لديهم ثقة في مظلة أمريكا النووية، وعليه يبقى التساؤل: كيف يكون حال دول منطقة الشرق الأوسط وفيها من أعدقاء أمريكا الكثيرون؟
مشاركة :