الشاعر السعودي عبدالرحمن الشهري يكتب على جهاز آيفون ويعد بمغامرات جديدة بقلم: زكي الصدير

  • 2/16/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر السعودي عبدالرحمن الشهري يكتب على جهاز آيفون ويعد بمغامرات جديدة ينتقل الشاعر السعودي عبدالرحمن الشهري من حالات الرمزية العالية التي يشترطها الشعر إلى مناطق جديدة في تجربته،آخذا اللغةَ إلى التأملات اليومية الراصدة للإنسان المجرد سواء من داخل المشهد الثقافي أو من خارجه، وذلك من خلال سرديات قصيرة يكثّف فيها الأسئلة، ويذهب بنصه الشعري عبرها ناحية اختباره في فضاء السرد. “العرب” توقفت معه في حوار حول تجربته الأخيرة وحول بعض القضايا الثقافية الأخرى.العرب زكي الصدير [نُشر في 2018/02/16، العدد: 10902، ص(15)]التجربة الشعرية الحديثة في السعودية تجربة حية صدر مؤخرا عن دار أثر السعودية كتاب “الكتابة على جهاز آيفون” للشاعر السعودي عبدالرحمن الشهري، وتأتي هذه التجربة المختلفة بعد ثلاث مجموعات شعرية ابتدأها بـ”أسمر كرغيف” عام 2004، ثم “لسبب لا يعرفه” عام 2012، وأخيرا “صعود متأخر” في 2017. وعادة لا يخطط الشهري للكتابة بشكل واع، ولكنه يقرأ كثيرا قبل خوض أي تجربة، لعله، حسب تعبيره، يستعيد لياقته الكتابية، حيث يتوقع منه الناقد عبدالله السفر كتابة عمل سردي، وذلك بحكم سردية النصوص الأخيرة، لكن نفسه في الكتابة قصير، لذا لا يظن بأنه يجيد البسط والإطالة لمجرد إنشاء الجمل والصفحات، فليس لديه الصبر الكافي لهما، ويرجو أن تساعده الظروف على كتابة عمل جديد السنة القادمة أو التي تليها، فشهيته مفتوحة على الكتابة، ويشعر أن هناك عملا ينضج على نار هادئة، وإن لم تتضح معالمه بعد بالنسبة إليه. التماهي مع الواقع تشكّل تجارب الشهري الكتابية انعطافات واعية لمشروعه الأدبي دون أن يكون رهينا لقالب فني على حساب قالب آخر، وهذا ما أشار إليه الناقد عبدالله السفر في حديثه عن تجربة الشهري حين وصفها بأنها قادرة على الانتقال من الكتابة السطرية إلى كتابة الكتلة، حيث تعتني فضاءات “الكتابة على جهاز آيفون” بمراقبة اليوميات من زاوية ذات هوامش متعددة، فهي تنطلق من الماضي باعتباره سجلا للتاريخ، ومن الحاضر باعتباره شاهدا عليه، وذلك من خلال التأمل الشرس للمشهد العادي الذي يتحوّل بين يدي الشهري إلى تفاصيل سينمائية معقّدة. وعن مناخات كتاب “الكتابة على جهاز آيفون” الذي خرج فيه من برواز الشعر إلى مناطق جديدة في تجربة الشعراء يحدثنا الشهري قائلا “هي مجرد محاولة للخروج على الاعتياد، والتماهي مع الواقع بوسائل اتصاله الحديثة التي ألغت الحدود بين الأجناس وزعزعت المفاهيم القارة داخل القرية الإلكترونية الكونية ومراودة الشعر بآلية تتخفف من الغنائية العالية، فبعض النصوص الشعرية من فرط غنائيتها يصعب الفصل بينها وبين كاتبها، الذي يقيم داخلها مقيدا كل كلمة إلى روحه، حتى أنك تسمع صلصلة الكلمات كلما غير الكاتب موقعه، ذلك النوع من النصوص الذي يعني الكاتب أكثر من القارئ، إلى درجة يبدو معها النص ورطة تجعل القارئ ينأى بنفسه عن الوقوع فيها، ولذا كان السرد، والقص ربما، طوق نجاة وانفتاحا من تلك الغنائية، وانفتاحا للنص على التجارب الإنسانية المختلفة”. في الكتاب حالات عالية من توظيف الرمز، ففي بعض النصوص يسمي الشهري الأشياء بأسمائها، بينما يكتفي بترك الباب مواربا جهة الإشارة، تاركا المتلقي لقراءته الخاصة، ولقدرته على تفكيك النص. وكأن الحمولة الرمزية لغم يضعه في طريق الرقيب الافتراضي الذي قد يشدّ المعاني لنيرانه العدوّة.وسائل الاتصال الحديثة ألغت الحدود بين الأجناس الأدبية وزعزعت المفاهيم القارة داخل القرية الإلكترونية الكونية عن هذا الأمر يعلّق ضيفنا “لا ليست لغما كما أشرت، ولكن عندما تعبرعن ظاهرة ثقافية أو فنية أو اجتماعية تستحق النقد فأنت بالضرورة تلجأ إلى المواربة لأنك تقصد الظاهرة لا الأشخاص، وهذه طريقة متاحة في عدد من الأشكال الكتابية التي تعمل مبضعها في الجسد الاجتماعي والثقافي والسياسي أيضا، ولست بدعا في ذلك. وفي الوقت نفسه أتمنى ألّا يقع القارئ في فخ التخمين، فيسقط النص على شخصيات معينة. هي مجرد نصوص تومئ إلى ظواهر يظنها الكاتب سلبية، وربما تكون إيجابية من وجهة نظر الآخرين، ولن يتفق الذوق الفني والأدبي والجمالي على شكل ما للكتابة والفن، فكل ذائقة أدبية لها نصوصها التي تتفق على جمالياتها، وتنظر إليها باقتناع”. وفي سؤال عن رصده للواقع الوجودي من خلال أعين الأصدقاء (علي بافقيه، سعيد السريحي، مسفر الغامدي)، وكأنه يؤثث العالم وفق ما يتمناه من خلال أرواحهم. يجيب الشاعر “ليس رصدا بالمعنى الدقيق كما ورد في السؤال، وإنما ترجمة لأحاسيس ومشاعر تمليها عليك نصوص معينة أو أشخاص أو ظواهر، وبالطبع عندما يكون الحب قائد مسيرة الكلمات، فسيأخذ النص إلى فضاء احتفائي، وسيتشكل على أساس تلك المحبة المعتقة في اللاوعي. وجميع الأصدقاء الذين ذكرتهم وغيرهم ممن تركوا ظلالهم على الروح، كانوا مقيمين في تلك المنطقة البعيدة، وبمجرد أن فسح المجال لتلك المشاعر خرجت على هيئة نصوص، أتمنى أن أكون قد وفقت في استقبالها وكتابتها. وأنا سعيد بكل شخصية حضرت في المجموعة، سواء من الوسط الثقافي أم من غيره، وهي شخصيات جديرة ومكثفة إنسانيا وجماليا، لذا كان لها هذا الحضور”.خروج من برواز الشعر إلى مناطق جديدة من ناحية أخرى لا يعتقد شاعرنا بأن خطاب الصحوة الذي ترسخ على مدى أربعين عاما يمكن إزاحته بسهولة. فهو يرى أن هناك مفاعيل وآثارا لهذا الخطاب امتدت إلى كل بيت وكل وجدان في هذا الوطن إلا ما ندر، والثقافة التي دعمت هذا الخطاب وعززت له، لا تزال تعمل في الفضاء الاجتماعي. يقول “المعروف لدى علماء الاجتماع أن تحول المجتمعات بحاجة إلى وقت طويل، وغالبا ما تتقدم الأمم إلى الأمام مهما كانت العقبات التي تصادفها، وخاصة في هذا الزمن المفتوح على كل الثقافات والمعارف والفنون. فالتغيير قادم لأن رياحه هبت، ولأننا لا نستطيع إغلاق نوافذنا في وجهه. والمعول عليه في هذه المرحلة أن نكون مجتمعا طبيعيا، يقوم على الجدل المتواصل بين الأفكار والخطابات، دون أن يستأثر خطاب معين بالمجال العام”. الجيل الجديد عن جدوى ترسيم اتحاد كتاب في السعودية يؤكد الشهري أن اتحاد الكتاب وغيره من الاتحادات مؤسسات مدنية تعكس بنية ثقافية وحضارية معينة، وخبرات العالم في هذا المجال أكثر من أن تحصى. وبحسب رأيه فإنه لا مانع من وجودها كمؤسسة، ولكنه يستأنف قائلا “من تجربتي الشخصية لم أعد ميالا إلى مثل هذه المؤسسات، وأرى أن على الكاتب أن ينشغل بنصه وقراءاته بعيدا عن مغانم هذه المؤسسات، التي تهافت على مجالس إداراتها الكثير ممن لا هم ثقافيا لهم، في ظل شروط عضوية فضفاضة للجمعيات العمومية كما في الأندية الأدبية على سبيل المثال، وأعتقد أن موقعا كفيسبوك تحول إلى سوق عكاظ معاصر، ومختبر حقيقي للتجارب والأفكار والرؤى والنصوص، وأتاح لنا أيضا متابعة الفعاليات الثقافية بشكل مباشر سواء أكانت في بيت أم في مقهى أم في مؤسسة، وفي المحصلة فإن لغتنا العربية هي الهوية الجامعة لكل من يكتبون بها”. وفي سؤال ختامي عن قراءته للمشهد الشعري المعاصر في السعودية يرى ضيفنا أن “التجربة الشعرية الحديثة في السعودية تجربة حية، وتعد بمغامرات جديدة في كل مرحلة، وبالطبع هناك جيل مؤسس منذ السبعينات الميلادية، ثم تلته أجيال تكتب القصيدة بمفاهيم معاصرة تفعيلة ونثرا، حتى وصلنا إلى جيل الألفية الثالثة، الذي اجترح آفاقا شعرية حديثة ومعبرة عن اللحظة، وربما كان للثورة المعلوماتية أثر كبير في اختلافه، وتعدد مشاربه ومرجعياته، وفي ظني أن لديه من الجرأة والمغامرة والمرونة الشعرية ما يتيح له الذهاب بالشعر إلى آفاق أبعد من سابقيه، كون وجوده ارتبط بالحياة داخل الغلاف المعلوماتي أكثر منا، ووفر له الاطلاع على تجارب إنسانية وإبداعية مبهرة، وبناء صداقات مع مجموعات بشرية مختلفة عبر وسائل التواصل الحديثة”.

مشاركة :