معرض يقدم مجموعة من النماذج والرسومات والأدوات والشخصيات التي استخدمها بلمخرجان الفرنسيان جان بيير جونيت ومارك كارو الاثنان في الأفلام التي تعاونا فيها. العرب عمار المأمون [نُشر في 2018/02/18، العدد: 10904، ص(12)]جهتان في المعرض تكشفان عن طبيعة المواد التي أثثته: نافذة على المستحيل لم تكن السينما في بدايتها فنّاً، بل كانت نوعاً من السحر لخلق الدهشة وأسر الجمهور، أشبه بنافذة إلى المستحيل والعوالم المتخيّلة التي تأسر أبصار المشاهدين، ومع تطوّرها السريع أصبحت السينما تمتلك واقعها الخاص وعوالمها المدهشة، هذه العوالم الحيّة في الشاشة تحتاج إلى جهود فنيّة وتقنيّة لا تقتصر فقط على عمليات الكتابة والتمثيل والإخراج وغيرها، بل أيضاً بناء ديكورات وصنع أغراض وأدوات وأزياء ترسم تفاصيل أي فيلم وتكسبه حيويته. ويمتد الأمر كذلك إلى خلق شخوص متخيّلة لا يمكن أن تكون حيّة إلا على الشاشة كما في أفلام الخيال العلمي والفانتازيا، حيث يحضر السحر في أصغر التفاصيل والأدوات التي قد تبدو دون قيمة على أرض الواقع، لكنها أساس الدهشة في عوالم السينما وكأن الأخيرة ماكينة لصناعة الأحلام. تشتهر صالة سان بيير في العاصمة الفرنسية باريس بمعارضها المميزة، وهذا العام تشهدُ معرضاً بعنوان “كارو/ جونيت” الذي يحتفي بالمخرجين الفرنسيين جان بيير جونيت ومارك كارو، اللذين بدأت صداقتهما عام 1974 في مهرجان سينما الكارتون في نانسي، ليصبحا بعدها أقرب لثنائي قدما لنا العديد من الأفلام الساحرة بصرياً، وخصوصاً أن كارو إلى جانب كونه مخرجاً هو رسام وفنان رسوم مصوّرة.المعروضات ليست مجرد أغراض جامدة هدفها ملء الفراغ في الشاشة، بل هي حية وتتحرك يحوي المعرض مجموعة من النماذج والرسومات والأدوات والأغراض والشخصيات التي استخدمها الاثنان في الأفلام التي تعاونا فيها سواء كانت قصيرة أو طويلة كفيلمي “بهارات” و”مدينة الأطفال الضائعين”، كذلك ما استخدماه في الأفلام التي صنعها كل واحد منهما على حدة مع التركيز على أعمال جونيت، إذ نرى مجسّماً للكائن الفضائي المستخدم في فيلم (الكائن الفضائي 4- Alien 4) والذي أخرجه جوينت لهوليوود وسط تشكيك الكثيرين بقدرته، كذلك نرى الأزياء المستخدمة في فيلم “إيميلي بولان” الشهير، ودفتر الصور الذي كانت تمتلكه، كما تحضر التماثيل التي كان يلعب معها “بيفيت” في فيلم جونيت الأخير، إلى جانب سلسلة من الآلات العضويّة التي تُدمج مع الجسد البشري والتي استخدمها جونيت في أفلامه القصيرة. نشاهد في المعرض أيضاً التخطيطات والرسومات التي صنعها كارو لتصميم عوالم فيلم الكائن الفضائي، إلى جانب الأسلحة وأزياء الفضاء وغيرها من الأغراض التي تشكّل الهوية البصرية لعوالم أفلام كلّ منهما التي يتداخل فيها الواقعي مع السحريّ، كآلة الذكاء الاصطناعي العجيبة التي استخدمت في فيلم “مدينة الأطفال الضائعين”. التصميم الدقيق وفعاليّة كل من الأغراض التي نراها هو ما يأسر المشاهد، فهي ليست مجرد أغراض جامدة هدفها فقط ملء الفراغ في الشاشة، بل هي حيّة وتتحرك ويمكن استخدامها، وتخلق الإحساس بأنها حقيقة حتى لو لم تكن أمام الكاميرا، وهذا ما يؤكده كل من جونيت وكارو اللذان يقولان إنهما يقومان بصناعة ما يستخدمانه من أغراض بأيديهما دون الاستعانة بالآلات المعقدة أو شديدة التطور، فهما يؤمنان بأن للإغراض أرواح وكأنها تحدّق في من يستخدمها أو يقف قريباً منها، وهنا تحضر أهمية السينما كونها تجعل هذه الأغراض ذات جدوى وقادرة على أن تتحرك بحرية في عوالمها المتخيّلة، لنراها في المعرض أشبه بكائنات تنتظر لمسة سحرية كي تعود للحياة. لم يشكّل التقدّم التكنولوجي وتقنيات التحريك عبر الحاسوب عائقاً أمام الثنائي، إذ مازالا يستخدمان المجسمات الصغيرة والمخططات الورقيّة في أفلام التحريك التي يخرجانها سواء كانا سويّة أم منفصلين، كالكائنات الصغير والحشرات الناطقة التي صنعها جونيت واستخدمها في فيلم تحريك قصير أخرجه احتفاء بالشاعر جاك بريفير. ما يلفت النظر حين دخول صالة العرض أن شكلها دائريّ ويصف جونيت هذا الخيار بأنه يمكّن الزائر من مشاهدة كل الأعمال دفعة واحدة في حال وقف في المنتصف ودار حول نفسه دورة كاملة بمدة لا تتجاوز الثانيتين ونصف الثانية، ما يشبه مدة الحلم، إذ يمكن أن تترك هذه الحركة انطباعاً بصرياً لدى الزائر بأنه سافر إلى عوالم غرائبيّة ثم عاد منها دون أن يدرك ما حصل. كاتب من سوريا
مشاركة :