نعم الخيارات المتبقية؛ حلّ السلطة أو تحويل وظائفها وتعزيز مكانتها ما أمكن في المنظمات الدولية، والخروج من العملية التفاوضية وتدويل القضية الفلسطينية.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2018/02/19، العدد: 10905، ص(9)] منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلانه اعتزام نقل السفارة الأميركية إليها، بدا أن القيادة الفلسطينية فقدت فجأة عالما من الأوهام ظلت قرابة ربع قرن متعلقة به، وهو العالم المبنيّ على رعاية الولايات المتحدة للعملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتقديم الدعم السياسي والمالي لها، إذ كان من الصعب تصوّر استمرار هذه العملية طوال ذلك الوقت من دون هذا الدعم، والحديث يدور عن بقاء السلطة وعن جملة مساعدات مالية مختلفة تقدر بقرابة بليون دولار سنويا. هكذا فعدا توجه القيادة الفلسطينية نحو تعزيز مكانتها في المنظمات الدولية، والزيارات المتوالية التي يقوم بها الرئيس الفلسطيني والمعاونون له، إلى عواصم دول العالم، وعقد اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني (الشهر الماضي) قرر وقف التنسيق الأمني ووقف العملية التفاوضية، فإن القيادة الفلسطينية لم توفق في تحديد ما ينبغي عمله لتعزيز مكانتها أو لاستعادة عالمها أو لاستمرار كيانها، إذ أن الخيارات الأخرى إمّا غير واقعية وإمّا غير مرغوبة، نسبة للأخطار أو للتداعيات السلبية، التي يمكن أن تنتج عنها، وهذا يشمل خيارات مثل استمرار المفاوضات أو حل السلطة أو تغيير وظائفها، أو الدفع نحو اندلاع انتفاضة جديدة، أو التشجيع على المقاومة المسلحة. الفكرة هنا أن الولايات المتحدة ليست كأي بلد أخر، فهي مازالت تتحكم بالسياسة الدولية، وهي أكبر مموّل للسلطة منذ قيامها، وفوق هذين العاملين فهي الدولة الوحيدة التي تستطيع الضغط على إسرائيل، في حال أرادت ذلك. لذا فإن انقشاع المراهنات أو الأوهام على الولايات المتحدة، كراع نزيه وكضامن قوي وكطرف محايد في عملية السلام المفترضة، لا يمكن أن ينتج عنه استبدال هذه الدولة بأخرى، لأن ذلك ينطوي على سذاجة، بقدر ما ينطوي على توهّمات أخرى، لا حاجة للفلسطينيين بها. مشكلة القيادة الفلسطينية أن قرار الرئيس الأميركي بشأن القدس، والذي يعني تنصّل بلاده صراحة من التزاماتها في اتفاق أوسلو، الموقّع بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية (في البيت الأبيض 1993)، لا يضع حدّا للمراهنات الفلسطينية الخاطئة على الولايات المتحدة فقط، إذ أن هذا القرار يضع حدّا أيضا، لمراهنة خاطئة أخرى على عملية تسوية لم تفض حتى إلى الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين، التي نص عليها ذلك الاتفاق المجحف والناقص والجزئي، والذي يتناول الصراع باعتباره بدأ عام 1967، باحتلال الضفة وغزة، وليس عام 1948، والذي نجم عنه إقامة إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه ومستقبله. ثمة اليوم أمام القيادة الفلسطينية في مواجهة هذا الواقع الجديد، عدة خيارات، لكن المشكلة أنها لم تهيء ذاتها، ولا شعبها لخيارات بديلة أو موازية؛ هذا أوّلاً. ثانياً في الواقع الراهن لا تبدو الكيانات السياسية الفلسطينية بأوضاعها المترهّلة قادرة على حمل أيّ مهمات أو مواجهة أيّ تحديّات جديدة. ثالثاً لا يوجد في الوضع العربي ولا الدولي ما يمكن أن يشجع القيادة الفلسطينية على قلب الطاولة أو الخروج عن التفاهم مع الولايات المتحدة، لا موسكو ولا باريس، إذا استثنينا توظيف الفلسطينيين في المناكفات السياسية الدولية. رابعا في ظروف تدهور المشرق العربي يبدو أن الأجدى للقيادة الفلسطينية تفويت الفرصة على إسرائيل القيام بأي عمل من شأنه التسهيل عليها إطاحة الكيان الفلسطيني، أو تغيير المعادلات السياسية والديموغرافية القائمة في القدس وفي الضفة الغربية. خامساً على ضوء ما تقدّم يبدو أن الخيار المتاح لهذا القيادة في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، إنما يتمثل في الالتفات إلى إعادة بناء البيت الداخلي (المنظمة والسلطة والفصائل) وباقي الكيانات الوطنية الجمعية، لأنه من دون بنى قوية وصلبة، وقائمة على قواعد مؤسسية وديمقراطية وتمثيلية، لا يمكن لأي رؤية سياسية أن تصمد، بانتظار ظروف أخرى أفضل وأنسب للفلسطينيين في مقاومتهم العنيدة والمضنية ضد إسرائيل. نعم الخيارات المتبقية؛ حلّ السلطة أو تحويل وظائفها وتعزيز مكانتها ما أمكن في المنظمات الدولية، والخروج من العملية التفاوضية وتدويل القضية الفلسطينية، والدفع نحو انتفاضة ثالثة، والتشجيع على العمل المسلح، بيد أن كل خيار من هذه الخيارات له متطلباته، وشروطه، كما مخاطره، وكل واحد منها يتطلب قرارات فلسطينية متأنية، لكن كل منها يتأسس على إعادة بناء البيت الفلسطيني. كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي
مشاركة :