لا بد للقيادة الفلسطينية، بدل الغرق في التفاصيل، أو تقطيع الوقت في البحث في عـوارض الأزمـات المعششة فيها، إدراك الواقع الذي تعيشه، والتحولات التي تحيط بها.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2017/07/17، العدد: 10694، ص(8)] لم تعد القيادة الفلسطينية، والقصد هنا قيادة المنظمة والسلطة وحركة فتح، تستطيع أن تفعل شيئا يذكر، لا في مواجهة إسرائيل، ولا في مواجهة مشكلاتها الذاتية، ولا حتى السيطرة على التطورات في المجال الفلسطيني، على نحو ما شهدنا في التطور الجديد الحاصل على صعيد العلاقة بين مصر وحركة حماس في غزة، وحتى في إغلاق إسرائيل للقدس القديمة ومنع الصلاة في باحـات مسجد الأقصى (الجمعة الماضية). يأتي ضمن ذلك، مثلا، عدم تجاوز حال انقسام السلطة بين الضفة وغزة، منذ عشرة أعوام، وحال التنازع على مكانة المرجعية والقيادة بينها وبين قيادة “حماس”، وحل مشكلة أفول الشرعية في المنظمة والسلطة، إذ أن الأولى لم تعقد اجتماعا لمجلسها الوطني منذ أكثر من عقدين، فيما الثانية لم تجر انتخابات رئاسية وتشريعية فيها منذ أكثر من عشـرة أعوام، هذا إلى جانب التصدّع الداخلي في حركة “فتح” لأسباب متعددة. هكذا فإن القيادة تبدو اليوم في أضعف أحوالها، وفاقدة للمبادرة، على مختلف الأصعدة، وفي مختلف المجالات، أكثر من أي وقت مضى، علما أن الأمر لا يتعلق بضعف إمكانيات الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، فهذا أمر معروف، ولا بصعوبة العمل في الواقع العـربي، إذ أن ذلك جرى الاعتياد عليه، كما ولا بانحسار البعد العربي في الصراع ضد إسرائيل، فقد مضى على ذلك وقت طويلا. أي أن الاستنتاج هنا هو أن القيادة الفلسطينية، في المرحلة الراهنة، تواجه عديد من المشكلات العضوية، أي التي لا بد من إيجاد حلول لها أو تجاوزها، ضمنها: أولاً، انسداد أفق الكيان الفلسطيني، عند مستوى الحكم الذاتي، من دون أن تمتلك القيادة الفلسطينية القدرة على تجاوز ذلك، بخاصة مع استشراء أنشطة إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية، وإحكامها السيطرة على القدس، وبنائها الجدار الفاصل، وهيمنتها الأمنية والاقتصادية على الفلسطينيين، وأيضا مع الدعم الأميركي اللامحدود للسياسات الإسرائيلية، وبخاصة مع ارتهان هذه القيادة لخيار المفاوضة من الناحيتين السياسية والمالية (الدعم من الدول المانحة).القيادة الفلسطينية لديها مشكلات عديدة في الخيار السياسي والشرعية والكيانات الجمعية، وفي الإطارين الدولي والعربي، ناهيك عن المشكلة المتعلقة بأفول مجتمعات اللاجئين في الخارج ثانياً، تراجع مكانة القضية الفلسطينية عن رأس جدول الأعمال في العالم العربي، على الصعيدين الرسمي والشعبي، إذ لم يعد لها تلك الجاذبية، التي كانت، ولا القدرة على التوظيف أو الاستغلال، على النحو الذي جرى في الفترات الماضية، فثمة اليوم أولويات أخرى للحكومات والمجتمعات، سياسية واقتصادية واجتماعية، ما يفيد أن قضية الفلسطينيين فقدت حاضنتها العربية. ثالثاً، لم يعد من الممكن الحديث عن نظام عربي يتحرك من واقع إدراكه لذاته، أو لمصالحه البينية المشتركة، كوحدة واحدة، إذ أننا إزاء واقع من نظام عربي يتشكّل من وحدات سياسية متشظية، ومختلفة، ومتباينة التوجهات، أي أنها لا تشتغل مع بعضها بطريقة تعاضدية وتكاملية، وإنما بطريقة تنافسية وتنابذية، بل وضدية، ما يحرم قضية الفلسطينيين من أي إسناد مناسب لها، والمعنى أن الفلسطينيين باتوا مكشوفين تماما إزاء إسرائيل. رابعاً، لم تعمل القيادة الفلسطينية أي شيء جديد في سبيل تعزيز مكانتها، أو يبدو أنها لا تدرك أهمية العمل على ذلك، على النحو المناسب والصحيح، فهي، مثلا، بحاجة إلى إعادة هيكلة الكيانات السياسية الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل والإطارات الجمعية)، ويشمل ذلك إعادة تأهيلها، وبعث روحها الكفاحية، وتجديد خطاباتها، وتجسير الفجوة بينها وبين مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج. خامسا، ما عاد من المناسب الحديث عن مواجهة التحديات الإسرائيلية بخاصة في ظل انهيار البني الدولتية والمجتمعية في المشرق العربي، وفلسطين جزء منه، إذ باتت إسرائيل في بيئة استراتيجية مريحة وآمنة من الناحية الأمنية، أكثر من أيّ وقت مضى، إذ لم يعد ثمة ما يتهددها ولو شكلياً، وحتى ولو من باب الادعاء، والاستهلاك، وفي ظل وضع مثل هذا من الصعب توقع أي إنجازات فلسطينية أو أيّ تنازلات إسرائيلية، ما يفترض من القيادة الفلسطينية أن تشتغل على إعادة بناء وضعها الذاتي (الكيانات والخطابات والخيارات) للتعويض عن ذلك. القصد من كل ما تقدّم أن القيادة الفلسطينية لديها مشكلات عديدة، في الخيار السياسي والشرعية والكيانات الجمعية، وفي الإطارين الدولي والعربي، ناهيك عن المشكلة المتعلقة بأفول مجتمعات اللاجئين في الخارج، في العراق وسوريا ولبنان، بعد التفكك الحاصل، والناجم عن الصراعات في هذه البلدان. والفكرة هنا أنه من دون حل هذه المشكلات التأسيسية من الصعب حل المشكلات أو العوارض الأخرى المتعلقة بالانقسام، مثلا، أو بالتنازع مع حركة حماس، أو بإيجاد حاضنة عربية للأجندة الفلسطينية، وضمنه رأب التصدعات في فتح ذاتها. وباختصار، لا بد للقيادة الفلسطينية، بدل الغرق في التفاصيل، أو تقطيع الوقت في البحث في عـوارض الأزمـات المعششة فيها، إدراك الواقع الذي تعيشه، والتحولات التي تحيـط بها، وضمن ذلك إدراك إمكانياتها في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، والعمل على إعادة بناء أحوالها على أسس جديدة، بعيدا عن المصالح الفصائلية الضيقة، وبما يخدم توليد حركة وطنية جديدة، ورؤية سياسية جديـدة، تتيح استنهاض أحوال الفلسطينيين في هذه الظروف الاستثنائية. كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي
مشاركة :