الجميع بات يقر بحقيقة استحالة إقامة دولة فلسطينية مع كل ما يحصل، وإسرائيل لن تقدم شيئا في سبيل ذلك للفلسطينيين.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2017/08/07، العدد: 10715، ص(9)] لم يعد الحديث عن أفول وحتى استعصاء، خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، الذي اعتمدته القيادة الفلسطينية منذ أكثر من أربعة عقود (1974)، وأسست عليه توقيعها اتفاق أوسلو منذ ربع قرن، مجرد رأي أو تحليل سياسي أو وجهة نظر معارضة للتسوية، أو محاولة لمناكفة القيادة الفلسطينية. وفي الحقيقة فإن هذا الأمر أضحى تقريرا لواقع بعد أن تم تجريب هذا الخيار، طوال هذا الزمن، مع ملاحظة أن وجهة النظر هذه باتت تحظى بقبول من قطاع واسع من دعاة هذا الخيار ذاتهم. هذا لا يتعلق فقط بضعف الفلسطينيين إزاء إسرائيل فقط، وإنما يتعلق أيضا، بوجود أكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية، وحيازة المستوطنات على أجزاء كبيرة من أراضي الفلسطينيين، بحيث أضحت المدن والتجمعات السكنية الفلسطينية عبارة عن نقاط صغيرة محاطة بتجمعات كبيرة للمستوطنين، مع أسوار محيطة بها (الجدار الفاصل)، بدلا من العكس، مع هيمنة إسرائيل المطلقة على موارد الفلسطينيين المائية وسيطرتها على المعابر، والوارد والصادر، ومجمل البني التحتية، ناهيك عن علاقات التنسيق الأمني والإداري التي رسمت بحيث تعجز السلطة عن الفكاك منها. من السهل على أي أحد ملاحظة هذه الحقائق على الأرض، وفي كل شيء، ومثلا فإن الجدار الفاصل الذي يتلوى كالأفعى بين التجمعات الفلسطينية، بات يقضم معظم أراضيها ويضعها داخل أسوار، شبيهة بأسوار السجون، ناهيك أنه يقطع التواصل بينها، بحيث أن المسافة بين مكان وآخر، والتي كانت تحتاج إلى دقائق باتت تحتاج إلى نصف ساعة أو ساعة وربما أكثر من ذلك في بعض المناطق. وبديهي أن الوضع في القدس الشرقية أكثر تعقيدا، فالصراع فيها يجري على كل شبر من الأرض، ولا سيما في المدينة القديمة داخل السور، وهو صراع يحاول فيه الفلسطينيون التشبّث ما أمكن بأراضيهم وأمكنتهم؛ وهو الأمر الذي فجر الانتفاضة الثانية (2000-2004)، والعديد من الهبات الشعبية وآخرها التي حصلت قبل أسابيع. معلوم أن السلطة الفلسطينية محصورة اليوم في المناطق أ وب (بحسب تصنيفات اتفاق أوسلو)، بينما المنطقة ج، التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، تبلغ مساحتها حوالي 60 بالمئة من أراضي الضفة، وهي تضم الأراضي الخصبة والمرتفعات وخزانات المياه الجوفية، التي تتحكم فيها إسرائيل، فضلا عن المستوطنات الكبيرة كمعاليه ادوميم قرب القدس وأريئيل قرب نابلس، علما أن حصة الإسرائيلي من المياه هي أضعاف حصة الفلسطيني. المهم أن السياسة الإسرائيلية التي قامت على الاستيلاء على الأراضي، وعلى إقامة الجدار الفاصل، ووضع الحواجز بين مدينة وأخرى، وبين مناطق السلطة من جهة ومناطق المستوطنات والمدن الإسرائيلية، من جهة أخرى، وفقاُ لمنهج “نحن هنا وهم هناك”، أسست فعلا معازل فلسطينية. وتاليا فقد نجم عن ذلك، أولا، تقليص الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، علما أن ثمة طرقا وأنفاقا للفلسطينيين وأخرى للإسرائيليين. ثانيا خلق حالة من الشعور بالارتياح لدى المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي، إذ بات المستوطنون في وضع من احتلال مريح ومربح، إذ لم يعد يدفع أي ثمن للاحتلال والاستيطان، بل بالعكس فثمة عوائد جمة تعود عليهم على شكل امتيازات وعلاقات تنسيق أمني واقتصادي. ثالثا، هذا الوضع نمّى عند الإسرائيليين إدراكا مفاده أن هذا الواقع أفضل من أي واقع آخر، قد ينجم عنه تقديم تنازلات لإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين. في المقابل من السهل ملاحظة نمو شعور عند فلسطينيي الأراضي المحتلة، بالتعب والإحباط، وحتى لدى قياداتهم، إذ منذ قيام السلطة قبل ربع قرن، مازال الوضع على حاله، ومازالت اللعبة التفاوضية لا تثمر تلك الدولة الموعودة، وفوق ذلك ثمة انقسام بين الضفة وغزة، والوضعين العربي والدولي لم يعودا يضعان الحق الفلسطيني على رأس أجنداتهما، رغم صمود الفلسطينيين وتضحياتهم كما تبين في هبة القدس. على ذلك يمكن ملاحظة أن الجميع بات يقر بحقيقة استحالة إقامة دولة فلسطينية مع كل ما يحصل، وأن إسرائيل لن تقدم شيئا في سبيل ذلك للفلسطينيين، وأن اتفاق أوسلو كان مغامرة غير ناجحة، وأنه من المفترض البحث عن خيارات ومعادلات سياسية أخرى رغم أن الظروف المحيطة، في المشرق العربي وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، باتت تضيق على الفلسطينيين. كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي
مشاركة :