السلطة الفلسطينية ومخاطر الارتهان للمساعدات الخارجية بقلم: ماجد كيالي

  • 1/8/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

السلطة الفلسطينية اتكأت في تمويلها لموازنتها وتغطية رواتب موظفيها (في القطاعين الخدمي والأمني) على الدعم المالي من الدول الراعية الداعمة لعملية السلام، التي تقدم حوالي بليوني دولار سنويا.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2018/01/08، العدد: 10863، ص(8)] كانت مراهنة القيادة الفلسطينية الخاصة باعتبارها الولايات المتحدة الأميركية بمثابة وسيط محايد، أو راع نزيه، أو ضامن موثوق، واحدة من مراهنات خاطئة عديدة ارتكبتها، هذه القيادة، لدى انخراطها في عملية “السلام”، التي انطلقت من مؤتمر مدريد (1991)، والتي توّجتها بتوقيعها اتفاق أوسلو (1993)، مع إسرائيل، في باحة البيت الأبيض في واشنطن. مثلا، فقد كان ضمن تلك المراهنات، أيضا، توهمها بأن إسرائيل يمكن أن تعطيها على طاولة المفاوضات ما لم تعطها إياه خارجها، وأنها تملك أوراق السلام وأوراق الحرب في المنطقة، باعتبارها أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية، إلى جانب دخولها المفاوضات من دون التسلح بقرارات الشرعية الدولية، ذات الصلة بكل جوانب قضية فلسطين منذ نشوئها (1948)، بتركيزها على انتزاع دولة في الأراضي المحتلة (1967). وكما شهدنا فإن كل ذلك لم يحصل، بعد ربع قرن، بل إن إسرائيل باتت تصارعها حتى على ما تعتبره حقها في الضفة الغربية، وهو ما دأبت على تكريسه عبر سياسات الأمر الواقع المتمثلة ببناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وبناء الجدار الفاصل والطرق الالتفافية والسيطرة على الموارد وتهويد القدس، أما السلطة فقد أضحت مجرد سلطة على شعب تحت الاحتلال، كأن مهمتها تأمين وضع مريح ومربح للمستعمر، من دون سيادة لا على الأراضي ولا على المعابر ولا على الموارد. فوق كل ما تقدم وربما الأخطر منه، أن القيادة الفلسطينية انخرطت في العملية المذكورة، أولا، من دون تهيئة الظروف لخيارات بديلة أو موازية، ما جعلها مرتهنة لتلك العملية تماما. وثانيا أنها قبلت نشوء نوع من علاقات الاعتمادية على إسرائيل في مسألة الاتفاقية الاقتصادية، التي تعزّز علاقات التبعية التي تربط الكيان الفلسطيني بإسرائيل، في التجارة والضرائب ولا سيما في البني التحتية، هذا علاوة على اتفاقية التنسيق الأمني. ثالثا إن السلطة اتكأت في تمويلها لموازنتها وتغطية رواتب موظفيها (في القطاعين الخدمي والأمني) على الدعم المالي من الدول الراعية الداعمة لعملية “السلام”، التي تقدم حوالي بليوني دولار سنويا للسلطة الفلسطينية، منها بين 400 و600 مليون من الولايات المتحدة. الآن تقف السلطة الفلسطينية مكشوفة إزاء هذا الوضع، وخصوصا تبعا لارتهانها لعملية التسوية، إذ لا يبدو أنها مهيئة لعمل شيء آخر أو لانتهاج طريق آخر، هذا أولا. وثانيا، بشأن ارتهانها للمساعدات الخارجية التي تمكنها من الاستمرار، إذ أنها ستمر في واقع أو في مواجهة تحد فائق الصعوبة، لتأمين الموارد اللازمة لموازناتها ورواتب العاملين فيها. ومعلوم أن عدد الموظفين في القطاعين الخدمي والأمني يبلغ حوالي 160 ألف موظف منهم 65 ألفا في الأجهزة الأمنية، أي حوالي 40 بالمئة من مجموع موظفي السلطة، هذا دون أن نذكر الـ40 ألف موظف في سلطة حركة “حماس” في غزة، تطالب باستيعابهم في أجهزة السلطة، بحيث نصبح أمام 200 ألف موظف مدني وعسكري يفترض أن تؤمّن السلطة مرتباتهم. في هذا الإطار فإن فاتورة الرواتب والأجور للموظفين المذكورين (160 ألفا) تبلغ حوالي 2.25 بليون دولار، أي أنها كتلة كبيرة بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كما بالنسبة لشعب تحت الاحتلال، سيما أنه لا يمتلك موارد خاصة. وفي الحقيقة فإن هذه الكتلة النقدية تشكل 54 بالمئة من إجمالي موازنة السلطة، التي تبلغ حوالي 4.4 بليون دولار (2017)، في حين أن النفقات التطويرية لا تزيد عن 350 مليون دولار فقط، أما الناتج المحلي الفلسطيني فيبلغ حوالي 8 بليون دولار (2016)، علما أن السلطة تعاني دوما من فجوة تمويلية، وهي بلغت حوالي 465 مليون دولار؛ بمعدل شهري يبلغ حوالي 39 مليون دولار، في العام الماضي. وكي تتوضح صورة التحدّيات والمخاطر أكثر، لا بد أن نتعرف على مدى اعتمادية السلطة الفلسطينية على إسرائيل وعلى المساعدات الخارجية، ولا سيما الأميركية. فبالنسبة لإسرائيل فهي ملزمة بأن تسدد للسلطة الضرائب التي تجبيها عن البضائع التي تدخل مناطق السلطة (الضفة وغزة) عبر معابرها البرية أو الجوية أو البحرية (أموال المقاصة)، وهي تعادل 200 مليون دولار شهريا أو 2.5 بليون دولار سنويا، أي أنها يمكن أن تحجب هذه الأموال، أو تعرقل تسليمها للسلطة، كما حدث في مرات عديدة، علماً أن هذا مبلغ يساوي نصف ميزانية السلطة. أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي تقدم للسلطة الفلسطينية سنويا حوالي 400 – 600 مليون دولار سنويا (على الأقل في السنوات القليلة الماضية)، وتبلغ نسبتها خمس المساعدات الخارجية التي تمول ميزانية السلطة، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك إذ أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، إذ تقدم لها حوالي 368 مليون دولار سنويا (يليها الاتحاد الأوروبي بـ160 مليون دولار سنويا ثم السعودية بـ148 مليون دولار سنويا) في حين تبلغ قيمة مساعدات الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية حوالي 349.76 مليون دولار. وبديهي أننا هنا إذ نتحدث عن حجم التغطية المالية الأميركية للسلطة الفلسطينية، فإننا نعرف بأن هذه التغطية لا تساوي شيئا مع ما تقدمه واشنطن لإسرائيل، التي تلقت منها في عامين حوالي 8 بليون دولار، وهو نفس مجموع ما قدمته للسلطة الفلسطينية منذ قيامها قبل قرابة ربع قرن، علما أن التقديمات المالية الأميركية لإسرائيل منذ قيامها بلغت حوالي 130 بليون دولار. القصد هنا أن الضغط المالي على السلطة، من قبل إسرائيل والولايات المتحدة (التي تتحكم بتمويل أونروا أيضا) سيكون ثقيلا، إن على السلطة أو على الفلسطينيين لا سيما في الضفة وغزة. السؤال الملح الآن عن الخيارات التي ستعتمدها القيادة الفلسطينية لمواجهة هذا التحدي، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد المتعلق بتأمين الموارد، كما بشأن إدراكها لضرورة التخلص من علاقات الارتهان المذكورة، بالتأسيس لمعادلات سياسية جديدة. كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي

مشاركة :