إدارة ترامب وتخوفات القيادة الفلسطينية بقلم: ماجد كيالي

  • 1/16/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

التخوفات الفلسطينية تعود إلى التوهمات التي بنت عليها القيادة الفلسطينية مراهناتها الخاطئة بخصوص التسوية مع إسرائيل، التي أودت بها إلى اتفاق أوسلو عام 1993. العربماجد كيالي [نُشرفي2017/01/16، العدد: 10514، ص(9)] مع مجيء دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية ثمة تخوفات لدى أوساط القيادة الفلسطينية من تغيير في الموقف الأميركي إزاء قضية الفلسطينيين. وفي الحقيقة فإن هذه التخوّفات لا أساس لها من الصحة، لسبب بسيط مفاده أن الموقف الأميركي مساند لإسرائيل من مختلف النواحي، وأن الفرق بين رئيس أميركي وآخر هو في الطريقة وليس في النوع، وأن لا رئيس استطاع الضغط على إسرائيل لإجبارها على الانسحـاب من الأراضي المحتلة عام 1967، أو وقف سياسات الاستيطان التي تنتهجها في هذه الأراضي، أو وضع حد لسياساتها الرامية إلى السيطرة على القدس وتهويدها، وهذا ينطبق على الرؤساء جون كينيدي وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وباراك أوباما. أما مصدر التخوفات فهو يعود إلى التوهمات التي بنت عليها القيادة الفلسطينية مراهناتها الخاطئة بخصوص التسوية مع إسرائيل، التي أودت بها إلى اتفاق أوسلو في العام 1993، والتحول من حركة تحرر وطني إلى سلطة، وهي ذاتها التي غيرت النظرة إلى الولايات المتحدة من كونها الراعي والضامن لوجود إسرائيل وضمان أمنها وتفوقها في المنطقة والمؤيد لسياساتها، إلى اعتبارها دولة محايدة أو دولة راعية لعملية السلام. وفي الحقيقة ليست ثمة علاقة بين دولة ما ودولة أخرى تشبه علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية، التي تبدو لوحدها نسيجا بين علاقات الدول والأمم، وتتأسس على روابط اعتمادية، تشمل مختلف المجالات في كلا البلدين، أي في السياسة والأمن والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، وحتى في مجال التكون التاريخي (تجربة الاستيطان الاحتلالي ومحاولة محو أهل الأرض الأصليين). المفارقة في هذه العلاقة أن إسرائيل تبدو عبئا حقيقيا على الولايـات المتحـدة، وذلـك من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، ولجهة مكانة الولايات المتحدة ومصداقيتها في العالم، في حين أنها تعتبر مكسبا خالصا لإسرائيل، التي تتمتع بضمانة الولايات المتحدة لأمنها ولتفوقها الاستراتيجي في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. المفارقة تتجلى، أيضا، في واقع أن إسرائيل دولة صغيرة جدا وهي بعيدة عن الولايات المتحدة، ولا يزيد عدد سكانها عن بضعة ملايين، ويبلغ ناتجها السنوي نحو 200 مليار دولار، في حـين أن الولايـات المتحدة دولة كبيرة وقوية بالمقاييس الجغرافية والسكانية والاقتصادية والتكنولوجية. وثمة مفارقة أخرى تتمثل بواقع أن مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي أهم من مصالحها في إسرائيل، ففيه كتلة بشرية تنـاهز 350 مليون شخص، وفيه الثروة النفطية، الحيوية للاقتصاد العالمي، وهو يحتل موقعا إستراتيجيا للعلاقات الدولية. لكن ما يلفت الانتباه أن الولايات المتحدة برغم كل الميزات التي هي لصالح العالم العربي وليست لصالح إسرائيل، تصرّ على محاباة إسرائيل، ودعمها وتغطية سياساتها بشكل مطلق. الأنكى من ذلك أن إسرائيل هذه، في محاولاتها فرض سياساتها وأولوياتها وحاجاتها في الشرق الأوسط، تذهب أيضا إلى حد معاندة مصالح الولايات المتحدة وأولوياتها، كما شهدنا، في عهد الرئيس أوباما، في ممانعتها تسهيل السياسة الأميـركية الشرق أوسطية، ولـو لمجـرد تجميد الاستيطان لمدة أشهر، مقابل مساعـدات سياسية واقتصادية وأمنية هائلة. ويمكن تفسير العلاقة الخاصة، التي تبرر لإسرائيل معاندة الإدارة الأميركية، بالعوامل التالية: 1- محاولة إسرائيل التماهي مع مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مرحلة الحرب الباردة خصوصا، في الخمسينات والثمانينات، لذلك فإن هذه العلاقة تستند إلى إرث تاريخي راسخ من العلاقات والمصالح والرؤى المتبادلة. 2- وجود لوبي يهودي قوي ونافذ في المجتمع الأميركي وفي مراكز صنع القرار يسهّل لإسرائيل سياساتها ويدافع عن مصالحها، في حين ثمة غياب للوبي عربي فاعل وموحد. 3- تستمد إسرائيل نفوذها من وجهة نظر لدى النخب المتنفذة في الولايات المتحدة ترى أن إسرائيل تنتمي إلى منظومة الحضارة الغربية، وتعتبر إسرائيل بمثابة واحة للديمقراطية والحداثة في المنطقة، ووفق شعار أن “ليس في الشرق للغرب أكثر من الغرب نفسه”. وكما لاحظنا فقد تداعت هذه الأسطورة بعد انفضاح الطابع العنصري والاستعماري لإسرائيل، ولكن النتائج كانت أكثر وضوحا في أوروبا منها في الولايات المتحدة. 4- طبيعة النظام السياسي الأميركي، الذي يعتمد على دوائر عدة، خصوصا أن الضغط عليه، لتوجيه دفة السياسة الخارجية الأميركية، لا يقتصر على العلاقة بالرئيس أو بأركان إدارته، وإنما يشمل التأثير في دوائر الناخبين وفي مجلسي النواب والشيوخ، ووسائل الإعلام والشركات الكبرى والجامعات واللوبيات. 5- تشتت وضعف الإرادة وتخلف الإدارة السياسية في العالم العربي، رغم الكثرة العددية للعرب وكثرة دولهم ووفرة نفطهم. 6- ثمة بعد ثقافي ديني بين الطرفين يستمد وجوده من تيار المسيحية البروتستانتية، المنتشرة في المجتمع الأميركي، والذي يعتبر قيام إسرائيل علامة من علامات “القيامة”، ولذلك فإن هذا التيار يدعم وجود إسرائيل من هذا المنطلق، وإن لغايات مختلفة. 7- وجود شعور بنوع من التماثل بين قيام إسرائيل وقيام الولايات المتحدة، التي نشأت أيضا بوسائل الهجرة والاستيطان والقوة، ضد أهل الأرض الأصليين. هكذا، وبحكم كل هذه العوامل، فإن إسرائيل تتمتع بامتيازات تتيح لها العمل من داخل المجتمع الأميركي، والسياسة الأميـركية؛ مـا يفسر تحمّلها الخـلاف مع هـذه الإدارة أو تلك، وضمنه تحمّلهـا معـارضة توجهات إدارة أوباما في هذه المرحلة. فوق ذلك فإن إسرائيل ترى في إضعاف أوباما وإدارته مساهمة منها في إنعاش القوى الحليفة لها في السياسة الأميركية، من تيار اليمين والمحافظين الجدد. وعلى الصعيد الخارجي فإن إسرائيل تستشعر بأهميتها للولايات المتحدة، في مجمل سياساتها الشرق أوسطية؛ حيث أنها تطرح نفسها بمثابة الحليف الوحيد، الثابت والموثوق، للولايات المتحدة في المنطقة. وطبعا يأتي ضمن ذلك أن السياسة في الولايات المتحدة تصوغها المؤسسات ومراكز القوة، أي أنها لا تخضع للمصالح والرؤى الشخصية ولا الآنية. كاتب سياسي فلسطيني ماجد كيالي :: مقالات أخرى لـ ماجد كيالي إدارة ترامب وتخوفات القيادة الفلسطينية, 2017/01/16 ثورة في الثقافة وفي الأفكار السياسية, 2017/01/09 بين الأستانة وجنيف: حل سياسي للصراع السوري, 2017/01/04 الصراع على سوريا, 2016/12/19 الثورات في نجاحها وإخفاقاتها, 2016/12/12 أرشيف الكاتب

مشاركة :