وفي الحلقة الثالثة، نختتم مناقشتنا لما كتبته الأخت العزيزة الدكتورة موضي الحمود في القبس بتاريخ 16 ديسمبر 2017، مقالاً تحت عنوان «ملح الكويت وزادها»: 10 – قال العلمانيون «لنحتكم إلى العقل، فهو يحدد الحق من الباطل»، وهذا الكلام فيه صواب وخطأ، فمن لا عقل له لن يصل إلى العلم والهداية والنور، ولكن العقل وسيلة وليس ميزاناً مباشراً يحدد الصواب والخطأ، فالعقل أوصلنا في العلوم المادية إلى أن الطريق للوصول إلى الحقائق المادية هو طريق التجربة والمشاهدة والاستنتاج، وليس عقول علماء المادة. ولو استخدمنا العقل في علوم العقائد والمبادئ، فسيقول الطريق الوحيد هو إثبات وجود الله سبحانه وتعالى وصدق الأنبياء، وإذا ثبت ذلك فستكون الحقائق الفكرية هي الموجودة في الكتب السماوية، وأي طريق آخر مثل التأمل في حقائق الواقع والتاريخ والنفس البشرية لن يوصلنا إلى الحقائق الفكرية، بل يوصل إلى آراء متناقضة، وهذا ما حدث مع الفلاسفة والعلمانيين، ومثل هذا يقال عن المقارنات بين مبادئ إسلامية ورأسمالية وشيوعية ومسيحية وغير ذلك. وإذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى، فلا يوجد شيء اسمه العقل نذهب إليه ونسأله، بل هناك مليارات العقول البشرية التي تعطي أجوبة متناقضة إذا سألناها، إذن العقل مثل التلفاز والسلاح ينفع إذا استخدمناه بطريقة صحيحة، ويضر إذا تم استخدامه بطريقة خاطئة، فالاحتكام إلى العقل المباشر خرافة علمانية. وقال العلمانيون «نحن مع العلم وعلماء المادة وليس مع رجال الدين والكتب السماوية»، وأقول: ليس الموضوع اختلاف حول رأي في العلوم المادية، بل الموضوع هو من يملك الحقائق الفكرية؟ وعلماء المادة ليست لهم علاقة بعالم الفكر والسياسة والمبادئ، ولا تؤمن العلمانية بأن هناك علماً فكرياً، فالعقل العلماني الضائع أوصلها إلى أنه لا أحد يمتلك الحقائق الفكرية، فكل ما يوجد آراء تحتمل الصواب والخطأ، أي كلنا جهلاء، سواء كنا علمانيين أو متديّنين، ويعتمد المنهج الإسلامي على النصوص الإسلامية (الحقائق الفكرية)، التي قالت لنا في ما قالت إن للعقل والحقائق الواقعية والعلوم المادية دوراً كبيراً في الحياة. 11 – يعرف العلمانيون ما لا يريدون، فهم لا يريدون وجوداً للدين في الدولة، أي هدفهم فصل الإسلام عن الدولة، ولكنهم لا يعرفون ما يريدون، فهم لا يعرفون معاني ومبادئ الحرية والعدل والمساواة، فما بالك بغيرها من إيمان وتسامح وتعايش والعبادة الصحيحة لله والتربية الصالحة، والحقوق والواجبات الزوجية، والتعامل مع الانفعالات والشهوات والمال وغير ذلك. وإذا قيل إنهم يقولون إنهم يريدون الديموقراطية وحرية الرأي، فأقول هذا ليس جزءاً لا يتجزّأ من العلمانية، ونصف العلمانيين على الأقل لا يؤمنون بها، وواقع العرب يقول ذلك.. فالعلمانيون العرب لا يريدون أن تقرر شعوبنا النظام الذي يحكمها، فهم يرفضون عمل استفتاء يخير هذا الشعب أو ذاك بين النظام الإسلامي والنظام العلماني، وهم يريدون ديموقراطية مزورة ليست فيها أحزاب إسلامية، أي يريدون دولة يسيطرون عليها فكرياً، ويريدون عالماً سياسياً ليس فيه غيرهم، وكلاهما خياران يضربان أساسيات الحرية والديموقراطية والتعايش في مقتل. وأنا لا أظلم العلمانيين عندما أقول إنهم بلا فكر، فنحن لا نعرف هل من مبادئ العلمانيين العرب الولاء للحاكم أو الخروج عليه في حالات معيّنة، أو هم مع ثورات «الربيع العربي» أو بعضها أو ضدها، أو مع الرئيس عبدالناصر أو ضده، أو مع الحكم الوراثي أو ضده، وغير ذلك كثير، وهذا يعني أنهم عاجزون تماماً عن بناء متكامل وواقعي للفرد والدولة، ونقطة قوتهم الأولى في توجيه الاتهامات للإسلاميين وعدم رغبتهم حتى في سماع الرد، فالهدف هو تشويههم، لا معرفة الحقائق، ونقطة ضعفهم أن تسلط الأضواء العلمية على فكرهم، لأننا لن نجد فكراً أصلاً، إلا إذا اعتبرنا الفوضى الفكرية فكراً، وقد تطرّقت للعلمانية في عدة كتب، أهمها كتاب «عجز العقل العلماني»، وكتاب «نهاية العلمانية»، وهما موجودان في الإنترنت، وأدعو إلى حوارات فكرية علمية راقية في أوطاننا وأمتنا والعالم، حتى نعرف الحق من الباطل في اختلافاتنا الفكرية، قال الله تعالى: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون» (الأنعام: 153). عيد الدويهيس
مشاركة :