قيل إن أحد الطغاة أصدر أمراً بمنع قطع يد السارق، فاستغرب مستشاره الذي سأله عن سبب ذلك الأمر، فأجابه الطاغية إن معظم السراق هم من المقربين والمؤيدين لنا فإن قطعنا أيديهم فلن نجد من يصفق لنا. وقيل أيضاً إن ثعلباً قد قُطع ذيله فشاهده ثعلب آخر بلا ذيل فإذا به يرقص، فسأله زميله كيف ترقص وذيلك مقطوع؟ فأجابه بأنه شعر بالمتعة وخفة الحركة حين قُطع ذيله، وطلب من زميله أن يجرب ذلك، فصدّق الآخر وقطع ذيله فشعر بألم شديد، وخجل من بقية زملائه الثعالب. فقال له الأول: هأنذا وأنت بلا ذيل، وسيشمت بنا بقية القوم إن لم نعمل على قطع ذيولهم ليصبحوا مثلنا، وبالتالي لن نكون شاذين عن مجتمعنا، فاضطر صاحبه للخضوع لفكرته، وكلما شاهدوا ثعلباً خدعوه بالخدعة ذاتها حتى أصبح معظم الثعالب بلا ذيول، ومن له ذيل أصبح بالنسبة إليهم ولغيرهم شاذاً وغير مقبول. الفاسد في مجتمعنا كان شاذاً، ولا قبول له حتى نجح في نشر ثقافته في المجتمع، فازداد عدد الفاسدين حتى طغى، وازداد الفساد حتى أصبح ثقافة مجتمع وممارسة حميدة غير مستنكرة في مجتمع كان الفساد فيه سمة سيئة وغير مقبولة إطلاقاً، والفاسد شخصية مكروهة وغير مرغوبة بل منبوذة. يعني بالعربي المشرمح: أنا وغيري ممن يكتب عن الفساد لا نملك حلولاً له، ولا نملك القدرة على محاربته بعد أن تشابهت علينا الثعالب وكثرت، حتى أصبح الواحد منهم مرحباً به في كل مكان، ويصفق لفساده الأغلبية، ويعتبرون فساده ذكاء ودهاء حميداً ومقبولاً، مبررين فساده بالمثل القائل "من صادها عشا عياله"، وسيبقى الفساد ويتمدد ويبقى الفاسد ويتسيد.
مشاركة :