تاريخ الكويت.. متاعب الأرشيف والوثائق

  • 3/12/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

أشعر بضرورة تدوين تاريخ الكويت بكل جوانبه، فلا توجد له مرجعية جامعة يعتمد عليها كمصدر مؤتمن يضم كل المسارات التي مرت بها الكويت منذ نشأتها، وعلى الأخص أحداث فترة العشرين سنة الأولى من القرن الماضي. قرأت الكثير عن وقائع القرن الماضي، الكثير مما صدر من كويتيين والأكثر من الآخرين، لا سيما ما صدر من الأرشيف البريطاني، الذي ما زال الكثير منه غير معروف لأنه لم ينشر، لا سيما حول فترات الثمانينات من القرن الماضي ومسلسل الغزو في التسعينات. قرأت عن وقائع حياة «مبارك الصباح» وضعها المؤرخ عبدالعزيز الرشيد، وكما دوّنها آخرون، خاصة المؤلف الهولندي المستر سلوت في كتابه «مبارك الكبير»، وهو بحث علمي واسع بتفاصيل دقيقة، ورغم ذلك تظل السنوات العشرون الأولى من القرن الماضي هي أكثرها تعرضاً للتناقضات في سجل الوقائع، بسبب ندرة المراجع، حيث يشغل الأرشيف البريطاني المصدر الأكبر، رغم أن محتوياته تعبير عن المواقف البريطانية وتعاملها مع مسار الأحداث، وتتعرض لعلاقة المقيم البريطاني مع أمير الكويت آنذاك، سواء الشيخ مبارك أو مع من خلفه من الأبناء، كل ذلك يتم من منظور بريطاني خاص. وتبرز هذه الفترة في أهمية تسجيل أحداثها لمسببات مهمة، أبرزها الترابط بين الشيخ مبارك والملك عبدالعزيز بن سعود، حيث تظهر تموجات تلك الفترة شيئاً من الغموض الذي يلتف حول أحداثها، فيقع الباحث ضحية لانطباعات المؤلف أو كاتب التقارير الذي يرسم مسار الأحداث من وجهة نظره ومن فهمه لتحليلاتها. نستدل من قراءة أحداث تلك الفترة أن أهم ما يشغل بريطانيا هو مراقبة قرارات الشيخ مبارك وأبنائه ورصد علاقاتهم مع الملك عبدالعزيز بن سعود ومع بن رشيد في حائل، وتقلبات تلك العلاقات مع حرص بريطانيا على التدخل إن وجدت خروجاً على خطوطها من قبل حكام الكويت أو غيرهم في الخليج. كانت تلك الفترة مؤثرة في رسم الحدود النهائية للكويت وفق ما جاء في الاتفاق البريطاني – العثماني عام 1913، حيث رسمت تلك الاتفاقية دائرتين لحدود الكويت، واحدة خضراء تلتزم بها بريطانيا، وأخرى حمراء يتحكم في مصيرها ميزان القوى، ولكن انفجار الحرب أسقط الاتفاقية، وغير الوضع السياسي بعد احتلال بريطانيا للعراق. قرأت ما صدر من المؤرخ أبو حاكمة المدون لتاريخ الكويت، الذي اهتم بالرصد أكثر من التحليل، واعتمد على الوثائق التي وفرتها اللجنة المشرفة التي تكونت من شخصيات كويتية مهتمة، وخرجت مؤلفاته روايات تحمل أكثر من تحليل، لم تف بحق الكويت كما لم تتناول تجاهل بريطانيا للخط الجنوبي الذي كانت تعتبره الكويت وفق اتفاق عام 1913 جزءا منها. كتبت عن الغزو أكثر من ثلاثمئة صفحة كلها اعتماداً على ما توافر من الأرشيف البريطاني، وما سمحت بنشره القوات الأميركية، التي استولت على الأرشيف العراقي، كما قرأت المقابلات التي تمت مع كبار المسؤولين العراقيين في حكومة صدام من عناصر البعث التي جاءت من مقابلات مع مختلف القنوات العربية، وكذلك ما نشر من الاعلام العربي والعالمي بما في ذلك ما صدر من الكويت ووكالات الأنباء فيها. وأكبر عقبة كانت أمامي غياب الأرشيف الكويتي الذي ضاع مع الغزو، واستعنت بما لدى الأصدقاء داخل الكويت من وثائق، لا أستطيع الجزم بأنني وفرت الكتاب الذي يرضي كل الكويتيين، وإنما كتابا يضم ما يستحق مما نشر من مختلف المصادر، فلا يمكن أيضا الانتظار إلى أن يكتمل نشر الأرشيف العراقي من خزائن الولايات المتحدة، فالهدف الذي أسعى إليه بذر الوعي الأمني لدى الشعب الكويتي وتقديم ما يمكن الاعتماد عليه في التعرف على حقائق الدبلوماسية العراقية البعثية تجاه الكويت، وما سخرته من شعارات تغلف نواياها التوسعية في تحويل الكويت إلى ملحق تابع لها. تنقل الأخبار أن قطر قدمت عرضاً للحصول على الأرشيف البريطاني الخاص بالخليج منذ بدايته حتى الأمس القريب، مع تبعات ترجمته إلى العربية، مما يثير الاستفسار.. هل قطر عازمة على نشر كل المحتويات بما فيها الممنوعات التي لا تحبذ بريطانيا نشرها، أم أنها ستبعد الوقائع التي لا يستسيغها أهل الخليج أو بعض حكامهم، ومهما كان الأمر فإن قرار قطر يعني الاقتراب من الوقائع التي لم تنشر، وأنها ستبذل جهداً لاستخراج المخزون من بطن الوثائق المحفوظة. وهنا لا بد من ملاحظة، فالموجود في بريطانيا يمثل مواقف سياسيين ومبعوثين بريطانيين، وما سجلوه في ضوء المصالح للامبراطورية، ولا ننسى أن هناك مواقف أخرى وتحليلات مختلفة لا بد من التعرف عليها، خاصة من دول الجوار، مثل إيران وغيرها من دول الاهتمام، مثل مصر التي لا تفتح مخازنها التاريخية لأحد، بالاضافة إلى ما سجلته البعثات التبشيرية الأميركية المرسلة إلى الخليج، كما فعلت د. فليري، الدكتورة خاتون التي دوّنت تجاربها في الكويت في كتاب يشكّل مصدراً مهماً عن الواقع الاجتماعي في الكويت، كما تعطي صورة عما قامت به من علاج لجرحى معركة الجهراء عام 1920. ونسجل باعتزاز دور مركز الأبحاث الكويتية وجهد رئيسه الدكتور عبدالله الغنيم الملاحق لكل جديد.. عبدالله بشارة

مشاركة :