عندما يتحدث بعضنا عن الغرب والشرق يبدي إعجابه الكبير بهم وبأخلاقهم ودقة وصدق مواعيدهم ومحافظتهم على الأنظمة والتقيد بها في كل أمورهم، وفي نهاية المطاف ندندن على أسطوانة وصفهم بأنهم يطبقون الإسلام حقيقة، ونتأوه ونتجرع مرارة اليأس والإحباط من أحوالنا وسوء أخلاقنا، والعجيب أنه عندما يتحول الحديث عن مجتمعاتنا المسلمة وضرورة التزامها بتلك الفضائل نتعلل بأننا بشر ولسنا ملائكة، وقد يعتبر البعض بأن مجرد الدعوة إلى تلك الميزات إنما هو ضرب من الخيال والمثالية المفرطة، وأنه لا يمكن أن نعيش بهذه الصورة الخيالية والمثالية في هذا العصر، بل عندما نذكر بعضنا بسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكيف كان يتعامل مع الغير ويتحمل المشاق ويتجرع مرارة الصبر ويتحمل الأذى، نسارع بالقول: بأنه نبي ولسنا مثله، ثم إذا ذكرنا بعضنا بالصحابة -رضوان الله عليهم- وكيف كانوا ينتهجون هدي نبيهم عليه الصلاة والسلام وأنه لابد أن نقتدي بهم، يكون جوابنا جاهزًا: بأنهم صحابة ولسنا مثلهم، وهذا العجيب فينا وفي تعاملنا مع الحياة وتصرفاتنا مع الآخرين، وكيف نبرر لأنفسنا عدم الاقتداء العملي بنبينا الكريم وصحابته الأطهار ونصطنع مخارج عدة لنقنع بها من حولنا بعدم قدرتنا على التعامل بعقلانية وحكمة ولطف مع ما يمر بنا من مواقف مزعجة وأشخاص مزعجين! وأتساءل دومًا: هل من الصعب العودة إلى أخلاق ديننا الحنيف وسيرة سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وفي هذا العصر المادي الغارق في لهاث الدنيا، وهل من المستحيل أن نحيي الأخلاقيات التي أصبحنا نفتقدها في حياتنا، وأن نعيش حياة العزة والكرامة والإنتاج والسلوك الإيجابي كما يعيشه الغرب الذي ندندن على جمالياته وسماته الباهرة التي خلعت قلوبنا، ونحن مسلمون ننتمي إلى أمة عظيمة نبيها عظيم وتاريخها رائع ورجالاتها أفذاذ، أفلسنا أولى من غيرنا بها..! قبل عشر سنوات أعددت مشروعًا بعنوان «المدينة المنورة نحو مجتمع أفضل» ونشرته على حلقات في هذه الزاوية، وكان محوره هو المطالبة بالتغيير الإيجابي في سلوكيات مجتمع المدينة المنورة خاصة، وقمت بتسويقه على بعض الجهات، ولكنه للأسف لم ير النور إلاّ في مكة المكرمة -بفضل الله- حيث انطلق بعنوان «مشروع تعظيم البلد الحرام» وذلك عندما جاءني اتصال من مركز الدعوة والإرشاد بأم القرى وطلب مني إرسال نسخة بالفاكس إليهم من «مشروع المدينة المنورة نحو مجتمع أفضل» حسب أوامر وزارة الشؤون الإسلامية، وبالفعل بعثته إليهم، وبعد مدة سمعت وقرأت عن تدشينه برعاية وبدعم من سمو الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة يرحمه الله، وقد انتشرت مراكز المشروع ومنتجاته ودعاياته في شوارع وطرق مكة المكرمة بفضل الله تعالى، ومن المواقف التي مرت بي خلال تسويقي للمشروع في المدينة المنورة وجدت وسمعت كلامًا محبطًا من البعض حيث وصف بأنه هلامي وواسع وكبير ولا يمكن تطبيقه، وأنه يتصف بالمثالية المفرطة، بل سمعت عن أحدهم قوله لي: بأنه لا أحد عندي، أي أنني لن أجد أحدًا يوافقني عليه أو يعينني على تنفيذه، وهذه بعض صور الإحباطات التي تعتبر طبيعية وليست مستغربة وخاصة في عصر هيمنة الماديات وتغلغل دماء حب الدنيا في القلوب، ومحاولة البعض التهرب من القيم والأخلاق النبيلة والمبادئ السامية، كل ذلك بحجج واهية وعلل عليلة، وليس من سبب إلاّ الغرق في هوى النفوس وزهد بعض الناس في الالتزام بالدين وتطبيقه في حياتهم! من المؤسف أننا نعيش صورًا عدة من التناقضات التي نجتهد كثيرًا لتوليدها وشرعنتها لتبدو أمام ناظرينا واقعًا لا مفر منه، بل ونحاول التأكيد بأننا ملزمون بها لا نملك منها فكاكا، والحل يا سادة يرجع إلينا قبل أي أحد غيرنا، العودة إلى أنفسنا لندرسها ونتعرف على خباياها، والطاقات السلبية المخزنة في أعماقنا، وأن نقنع أنفسنا بضرورة التخلص من هذه الأغلال الكئيبة التي وقفت بيننا وبين استثمار طاقاتنا وتوجيه قدراتنا الكامنة وإخراجها من ظلمات اليأس إلى نور الحياة الإيجابية المشرقة والمنتجة، والأهم من ذلك كله تذكر كلام ربنا عز وجل: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». sirafat@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :