حظِي ابن خلدون بعناية كبيرة في العصر الحديث، واهتمام واسع في الشرق والغرب، ونال من الاهتمام مِن قِبَل المدارس العلمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، والذي تحل ذكرى وفاته اليوم الجمعة 16 مارس. هو عبدالرحمن بن محمد المعروف بابن خلدون، ولد في تونس عام 1332 م في الثلث الأول من القرن الثامن الهجري وتوفي بالقاهرة عام 1406م. شاع عنه أنه مؤسس علم الاجتماع قبل أوجست كونت وسماه علم العمران البشري، لكنه أيضا فيلسوف التاريخ بامتياز، أدرك حركته وأطوار قيام الحضارات وتدهورها واضمحلالها، انتبه للعوامل الاقتصادية والطبيعية والدينية التي تؤثر بشكل كبير في مجرى حياة الشعوب وتبدلها، كما راقب تطور الكائنات الحية، وإلى تطور الإنسان، فهي تتطور وتتكامل بشكل مستمر، ليس نحو الأعلى والأفضل دوما، وليس في خط مستقيم، إنما يتحول من شكل إلى آخر. والتاريخ عند ابن خلدون يمثل خبرًا عن الاجتماع الإنساني، وغرضه التعليل والنظر، وكان تناوله للتاريخ تناولا متنوعا فكان موضوع التاريخ هو الإنسان والماضي متمثلا في القرون الأولى مع مراعاة التقلبات وتعليل أسباب حدوث الأحداث واكتشاف فلسفتها، فالتاريخ كما قال ابن خلدون "في ظاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم". وانتقد ابن خلدون المؤرخين القدماء وفساد منهجهم وطريقة تفكيرهم وعدم توصلهم إلى طبيعة الأمور، وكذلك توهمهم للصدق وذلك بسبب اعتمادهم على النقل دون النظر العقلي ومعرفة أصول وقواعد السياسة وشؤون المجتمع، وتزلفهم للأمراء والفقهاء وأهل السلطان، وثقتهم العمياء بالرواة الناقلين للأخبار. ونصح الباحثين قائلا: "لا تثقن بما يلقى إليك من ذلك وتـأمل الأخبار واعرضها على القوانين الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه". ويرجع السبب في قصور المؤرخين القدماء إلى جهلهم بطبائع العمران وأحوال الناس وعدم استنادهم إلى منهج علمي استقرائي. لذلك يرى ابن خلدون أن علم التاريخ "يحتاج إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والعصور في السِيَر والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال والإحاطة بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منها والمختلف".
مشاركة :