حاوره جاسم عباس | الحنين إلى الايام الخوالي، يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ، ففيه رسالة وعبرة للأجيال. روى الإعلامي الفلسطيني المقيم في الكويت منذ عام 1960 أحمد عثمان أبو سيدو حكايات الماضي، وكيف كان التعليم ومهنة الصحافة سابقا مميزين ذوَي دلالة قوية. وأضاف أبوسيدو في حديث مع القبس، أن التعليم في الكويت في فترة الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي لم يكن يهدف إلى حصول الطالب على شهادة نجاح والانتقال من صف إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى، بل كان يهدف ضمن استراتيجية وخطه عمل إلى خلق جيل قيادي، ومهني، حيث يتعرف الطالب على هوايته، واكتشاف مواهبه من خلال أسلوب التعامل بين الطالب ومدرسه وتوجيهه التوجيه السليم وفق إمكاناته وقدراته، وبالتالي صقل مواهبه وهواياته وتنميتها وتطويرها. وأضاف أبوسيدو في لقاء مع القبس تحدث فيه عن جمالية الفترة الماضية والحقبة الكويتية القديمة، أن «المدارس في تلك المرحلة كان لها هدف سامٍ في غرس مفاهيم الولاء للوطن الكويت، والولاء للأمتين العربية والإسلامية، ولا شك أن هذا وذاك نابع من نوعية مدرسي ونظار تلك الفترة المتميزين بإخلاصهم للمهنة أولا، وحبهم لمهنة التدريس ثانيا باعتبارها مهنة الأنبياء والرسل ولتحمل الأمانة للتعليم والإخلاص فيها ثالثا». وقال ان للأندية الصيفية دورا مكملا في تأهيل الطلبة لهذه الأنشطة والهوايات تحت إشراف مدرسين متخصصين يتم فيها صقل مواهبهم وتنميتها وتطويرها، مستذكرا إدارة النشاط المدرسي ومؤسسها الأستاذ عبدالوهاب الزواوي برفقة مجموعة من المهتمين في تحقيق الأهداف الوطنية السابق ذكرها. وفي ما يلي نص اللقاء: ● كيف كانت انطلاقتك للصحافة؟ ــ كان لوالدي دور مهم في عدم منعي من مزاولة هوايتي الصحافية التي عشقتها وأحببتها، حيث كان مدرسا للتربية الإسلامية واللغة العربية قبل أن ينتقل إلى توجيه التربية الإسلامية، حيث قام هو والمرحوم الأستاذ محمد الشيخ، كأول موجه عام للتربية الإسلامية، بإعداد مشروع فصل اللغة العربية عن التربية الإسلامية، وكان ينتدب للعمل بالأندية الصيفية خلال فترة عمله بالتدريس، وكنت أصحبه وأنا في المرحلتين المتوسطة والثانوية في كل عام حيث عمل مشرفا في أندية مدارس الفحيحيل والفيحاء والروضة والرميثية والفروانية. وكنت أتفرغ لمزاولة النشاط الصحافي سواء في المدرسة أو في الأندية الصيفية، وكانت البداية مع صحافة الحائط على ورق البريستول، ثم صحافة ورق الأستانسل على قطع A4. ولقد قمت بإجراء لقاءات صحافية في النشرات المدرسية وفي مجلة صوت الشباب مع شخصيات متعددة، منها الوزير الأسبق المرحوم صالح عبدالملك الصالح ووكيل الوزارة آنذاك الدكتور يعقوب الغنيم قبل أن يصبح وزيراً للتربية وعبدالوهاب الزواوي وخالد الحربان والتاجر المرحوم علي عبدالوهاب صاحب عدة شركات، والمرحوم عبدالعزيز المساعيد مؤسس دار الرأي العام والنهضة وسعد والديلي نيوز. ● كيف بدأت الانطلاقة الحقيقية للعمل الصحافي معك؟ – التقيت بالمرحوم عبدالعزيز المساعيد في مطلع السبعينات لتقديم الشكر له لنشر موضوع لي في صحيفة الرأي العام حول الأندية الصيفية بعد أن أنهيت دراستي الثانوية. وقبل أن أسافر للدراسة طلب مني الوالد أن أذهب للصحيفة وأقابل ذلك العملاق المرحوم عبدالعزيز المساعيد الذي أصدر أول صحيفة كويتية يومية لأشكره على نشر الموضوع، فابتسم قائلاً: هل أنت مستأنس، وأخذ يقلب الصحيفة التي أمامه ليرى الموضوع، قلت له: لم أنم طوال ليلة أمس بانتظار العدد. وأنا جئت اليوم لأشكرك على تشجيعك لي فقال: لا…..لا… أنت من اليوم ستعمل محرراً في الرأي العام. شكرته مره أخرى، وقلت له: إنني مغادر بعد غد إلى القاهرة للالتحاق بالجامعة والدراسة، فقال بشكل سريع: لا بأس.. عليك الذهاب إلى مدير مكتبنا في القاهرة سعيد مصطفى، وستعمل معه ضمن توجيهاته وما يطلب منك، حينها شعرت بشيء من الدوار، وكادت الفرحة تلقيني أرضاً، لولا تماسكي وإمساكي بالكرسي المجاور لمكتبه. وهكذا بدأت حياتي مراسلاً صحافياً للرأي العام قبل أن أكون محرراً فيها لفترة متواصلة بلغت 27 سنة، كتبت في جميع مطبوعاتها، الرأي العام والنهضة ومجلة سعد والديلي نيوز الإنكليزية. وبدأت مرحلة جديدة في حياتي، حيث انتقلت من مرحلة الهواية والطموح الصحافي إلى مرحلة العشق والحب والتضحية لمزاولة المهنة كهواية أيضاً، وليس حرفة أو مهنة. ● ما أبرز الشخصيات التي التقيتها؟ – اتسعت دائرة العمل خلال دراستي الجامعية بالقاهرة، مع عمالقة الأدب من كبار الأدباء والكتاب، وأجريت لقاءات مع عملاق الصحافة المصرية مصطفى أمين، كما التقيت الأديب نجيب محفوظ، ودار الحديث معه حول مختلف قضايا الأدب ورواياته وقصصه التي أثارت المجتمع المصري بكل طوائفه، وأسباب خلافه مع الإسلاميين. واتسعت دائرة العمل الصحافي لتشمل العديد من رجال الدين من الكويت ومصر ولبنان وسوريا وروسيا وغيرها، حيث التقيت عدة مرات بالشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ المرحوم عبدالباسط عبدالصمد وصاحب كتاب فقه السنة المرحوم الشيخ سيد سابق والشيخ يوسف القرضاوي والمرحوم احمد ديدات والشيخ المرحوم عبدالله النوري والشيخ علي الجسار والدكتور خالد المذكور والمرحوم صلاح أبو إسماعيل وغيرهم. مقابلة لا تنسى ولن أنسى مقابلاتي مع المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح، رحمه الله، في قصره بمنطقة بنيد القار. واذكر أن أول لقاء لي معه قال: من أي منطقة بفلسطين أنت؟ قلت من غزة، قال: هل زرت مناطق ومدنا فلسطينية؟ قلت له: لا والله لأنني حضرت إلى الكويت صغيرا، ولكني أعرف جميع مناطق الكويت، فابتسم وقام بسرد عشرات المدن الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وقال: لقد زرت جميع هذه المدن والقرى. وتحدث بإسهاب عن أولى بعثات التعليم في الكويت من فلسطين عام 1936، حيث طلب من المرحوم أمين الحسيني عدداً من المدرسين فأرسل له برقية: المدرسون في الطريق إليكم. ● هل كان للصحافة الكويتية تأثير دولي؟ ــ الصحافة الكويتية في السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات قفزت إلى المستويات العالمية لا العربية وحسب، لما تتمتع به من أسباب ولما تتضمنه من عناصر مميزة، وهذا المستوى المتميز بشهادة الإعلاميين العالميين وكانت الصحف الكويتية تناقش كل القضايا العربية وتحمل هموم شعوب ودول العالم العربي. ● هل للصحافة دور في الإبداع؟ ــ هذه المهنة الوحيدة التي تدفع الإنسان بالكثير من الأنشطة والإبداعات التي تتوافق والمهنة. ومن هذه الفعاليات والأنشطة: المطالعة والقراءة لكل ما هو جديد من إصدارات ومؤلفات. فالقراءة والاطلاع كان لهما ردود فعل في أسلوب آخر وهو التأليف والبحث والتعليق وطرح الدروس والعبر من خلال اللقاءات التي يتم نشرها وكتابتها وإعادة صياغتها بأسلوب أو بآخر لنشرها للقراء. وقد قيل قديما إذا لم تقرأ بعد يومين أو ثلاثة فلن تجد ما تتحدث عنه في اليوم التالي لأن مخزن المعلومات قد تم تفريغه. ● ماذا عن مؤلفاتك؟ ـــــ بلغ ولله الحمد عدد الكتب التي أصدرتها حوالي 26 كتابا، وبالفعل لقد قمت بتأليف العديد من الكتب ومنها: «الكرماء» ردا على كتاب البخلاء للجاحظ، فما ان قرأت كتاب البخلاء حتى شدني تأثره الشديد بالبخل والبخلاء وأثار الغيرة في نفسي للبحث والدراسة لإعداد كتاب يبطل تغنيه ومدحه للبخلاء. فتراثنا العربي والإسلامي غني بالكرم والكرماء، بل هي صفة من صفات أبناء العرب عبر العصور، وقد تفاخروا به وأنشدوا أروع القصائد ومن الاصدارات «إلى حواء قبل الزفاف، أخلاقيات المهن الاعلامية، الكرماء، الشيتي على كرسي الاعتراف، تحديات نصر الدين طاهر، صلالة فردوس الخليج، العمل المهني دافع شرعي وواجب وطني، الحرفي الماهر مبدع الحضارات الإنسانية، مؤتمر القوى العاملة الوطنية الأول، التحدي الجزأين الأول والثاني لبرنامج اعادة الهيكلة، لماذا وكيف نحب رسول الله «صلى الله عليه وسلم» (سلسلة كتب توعية للطلبة)، بصمة حب وولاء للكويت (سلسلة كتب توعية للطلبة)، من فضائل ومعجزات سور وآيات القران الكريم، تاريخ التعليم في الكويت وأول البعثات التعليمية من فلسطين». ● عشت حقبة الغزو العراقي للكويت، كيف كانت المواقف في تلك الفترة؟ ـــ لا تأتي المواقف فجأة أو من دون أحداث أو تفاعلات تاريخية أو نفسية واجتماعية ووطنية، بل هي ناجمة عن إيمان صادق.. ومشاعر فياضة.. وأحاسيس نابعة من القلب والعقل معا. حين كنت طفلا في المرحلة المتوسطة، كانت الكويت تحتفل بعيد استقلالها في 19/6/1961م، وفي اليوم التالي لإعلان الاستقلال بعث الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم رسالة تهنئة إلى أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح يهنئه فيها بإلغاء اتفاقية عام 1899م ووصفها بالمزورة وغير الشرعية. بعد ذلك بخمسة أيام عقد عبدالكريم قاسم مؤتمرا صحافيا في مقر وزارة الدفاع العراقية يوم الأحد 25/6/1961 وطلب فيه العراق ضم الكويت، وأعلن أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق وبدأت التصريحات الصحافية اللا مسؤولة. وخرجت مع حشود من الطلبة في مدرسة الفروانية المتوسطة في منطقة الفروانية ومدارس أخرى سيرا على الأقدام إلى قصر نايف في العاصمة نردد بأعلى صوتنا «أرواحنا فداك يا كويت… كلنا للكويت… بالروح بالدم نفديك يا كويت…»، ومنددين بتهديدات عبدالكريم قاسم تجاه الكويت ووقفنا نستمع إلى المرحوم سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله وهو يلقي خطابه التاريخي من قصر نايف مفندا مزاعم وأباطيل عبدالكريم قاسم، وتتوالى الهتافات لنصرة الكويت وأميرها ثم تولى بعد ذلك سمو الأمير الوالد المرحوم سعد العبدالله السالم الصباح كلمة مماثلة تلى ذلك هتافات وتصفيق بكل تأييد وحماس للكويت وأميرها. وقد شعرت بحماس، وحب، وعشق لا مثيل له تجاه وطني الثاني الكويت. وانتهت تلك الزوبعة وانتصرت الكويت على تلك المزاعم الباطلة، ومرت الأيام والسنون وازداد تعلقنا بهذه الأرض الطيبة وبشعبها الكبير. وبدأنا نكبر ونشعر بالدور الرائد وغير المسبوق لاحتضان الكويت لنا ولأهلنا ولكل فلسطيني على هذه الأرض، وازداد حبنا وتعلقنا، وأصبحت كلمة تضحية بسيطة تجاه هذه الأرض وحاكمها وشعبها. وكانت الصدمة الثانية التي هددت فيها الكويت من الجارة العراق في 1973/03/20 حين هاجمت القوات العراقية مركز الصامتة الحدودي وخرجنا للتطوع، وتم فتح أبواب التطوع للدفاع عن الكويت، وقمت ومجموعة من الشباب بتسجيل أسمائنا لدى الجهات المختصة. وقامت وزارة الدفاع بتسليمنا البدل العسكرية، وفي اليوم التالي استدعينا للتدريب السريع، وكانوا يدربوننا على بندقية كندية ثقيلة الوزن، ولكن الحمد لله انتهت المشكلة بسلام. وكانت الصدمة الثالثة، حيث فوجئنا بخيانة تاريخية غير مسبوقة لقوات صدام لاحتلال الكويت يوم الخميس 1990/08/02، وكنت يومها مديرا لتحرير ملحق الرأي العام الأسبوعي، وجاء السيد أمين بيضون مدير المطابع وأحضر لي بروفة الملحق لاعتمادها ليتم توزيعها مع صحيفة الراي العام صباح يوم الأحد ويحمل تاريخ 1990/08/08. واطلعت عليه بشكل سريع واعتمدته للطباعة، وبالفعل تمت طباعته وحصلت على نسخة لم تنشر ولم توزع، لأننا جميعا كنا نعتقد بأن الزوبعة لن تتعدى ساعات معدودة.. ولم نخرج من الصحيفة إلا بعد أن وجهت إحدى القذائف لشارع الصحافة، فخرجنا مضطرين إلى بيوتنا. وساد الصمت.. والحزن.. والضيق.. وكأننا في كابوس مظلم لم نستطع استيعابه. موقف إعلامي مع الشيخ مبارك الدعيج الصباح وموقف آخر تم خلال عمليات تحرير العراق من القوات الدولية، حيث كانت بعض الصواريخ تطلق من قبل نظام صدام على الكويت، وتطلق صافرات الإنذار الأولى للإعلان عن الخطر، والثانية لزوال الخطر، فكانت إذاعة وتلفزيون الكويت تعلن عن إزالة الخطر، ويقول المذيع في الإذاعة والتلفزيون «حفظ الله الكويت وأهلها من كل مكروه». وهنا قلت للشيخ مبارك الدعيج حيث كان وكيلا للاعلام الخارجي: إن جميع الشعوب العربية تستمع إلى إذاعة الكويت وتلفزيونها لأنهما أصبحا أكثر صدقا وشفافية من إعلام النظام العراقي، للوصول إلى الحقيقة أولا وللاطمئنان على أهلهم وذويهم في الكويت، فما رأيك أن يكون القول بعد زوال خطر الصواريخ. فأعجب بالفكرة، وأبلغ المسؤولين وحدثت الواقعة وأنا في مكتبه فخرج المذيع ليعلن العبارة الجديدة {حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه} شهادات ودروع بعد التحرير ● حصل على شهادة شكر وتقدير من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد خالد الصباح لعمله التطوعي خلال الغزو العراقي الغاشم ومع القيادة التنسيقية للمنطقة الخلفية بعد التحرير مباشرة. ● حصل على شهادة شكر وتقدير من مركز الدفاع المدني لمحافظة العاصمة لجهوده المخلصة من الدكتور داود مساعد الصالح والمقدم فهد البطي. ● حصل على شهادة تقدير من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية محمد صقر المعوشرجي لخدماته الجليلة التطوعية خلال أزمة الاحتلال العراقي الغاشم. ● حصل على دروع وشهادات تقدير للمواقف الواجبة التي قام بها تجاه الكويت خلال فترة الغزو العراقي الغاشم من لجنة تكافل اليرموك ورئيس لجان التكافل د.عبدالمحسن الخرافي، د. عادل الفلاح، د. خالد المذكور، محمود الدوسري، محمد مبارك الفجي وغيرهم.
مشاركة :