هاني حبيب يكتب: صفقة القرن.. بين التفعيل والتأجيل

  • 4/2/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بات من الواضح أن “صفقة القرن” الأميركية الخاصة بالملف الفلسطيني – الإسرائيلي لن يتم إطلاقها في الوقت الراهن، ولا على مستوى الزمن المنظور، حسبما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية وفقاً لما أعلن عنه جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي  في البيت الأبيض قبل أيام قليلة في ختام اجتماعات واشنطن “لإنقاذ قطاع غزة” من أن هناك قراراً بتأجيل إطلاق “الصفقة” حتى العام المُقبل، وربما إلى ما بعد ذلك، وأنه أبلغ إسرائيل وبعض الدول العربية بهذا التأجيل. ويأتي قرار التأجيل في الوقت الذي تمضي “صفقة القرن” قدماً من الناحية العملية وهي تنفذ ميدانياً على الأرض، ما يشير إلى أن هذه الصفقة، وحتى الآن على الأقل، ليست مجرد نصوصاً أو قواعد محددة أو خرائط أو منحة أو أجندة زمنية دقيقة، بل هي في الواقع عملية سياسية يتم ترجمتها على الأرض، فهناك القرار الأميركي بالإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل، وقرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بالتوازي مع القرار الأميركي بتقليص مساهمة أميركا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، بينما تجري محاولات إسرائيلية إلى تشريع قانون في الكنيست، لضم معظم مناطق الضفة الغربية المحتلة، خاصة المستوطنات الكبرى، هذه ملفات ثلاثة حساسة في ملفات الحل النهائي وفقاً لاتفاق أوسلو، وبهذه الترجمة الأميركية، لصفقة القرن، تكون ملفات: القدس واللاجئين والحدود، باتت خارج إطار أية مفاوضات سياسية قادمة، تقريباً؛ وإذا كانت هناك “صفقة قرن” حقاً فهذا يعني أن ما تم ترجمته في سياقها يفصح عن جوهرها، تصفية نهائية للقضية الفلسطينية. لكن، لماذا يتم الحديث عن تأجيل الإعلان عن إطلاق “صفقة القرن”؟ ربما إحدى محددات الإجابة عن هذا التساؤل يعود إلى طبيعة الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب، محددات غير واضحة، فوضوية، مرتبكة ومختلة حول معظم ملفات السياسة الخارجية الأميركية التي تعتمد في كثير من الأحيان على مزاجية الرئيس الأميركي التي أدت إلى اختلالات في المؤسسة الرئاسية من خلال جملة التنقلات والإقالات والتعيينات في المناصب العليا التي تسهم في صناعة القرار الأميركي، إلا أن ذلك، رغم أهميته لا يشكل السبب الأساسي وراء تأجيل الإعلان عن إطلاق “صفقة القرن”، لأن سياسة الرئيس ترامب على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي باتت واضحة وأكثر تحديداً، الانتقال من محاولة اعتبار واشنطن وسيطاً غير نزيه، إلى شريك كامل للإدارة الإسرائيلية، من هنا يعتبر هذا السبب، هامشياً إلى حدٍ ما في أسباب التأجيل.   الرفض الفلسطيني الشامل والموحد، من قبل كل أطياف المؤسسات السياسية الفلسطينية القيادية والفصائلية، لصفقة القرن، يشكل بنظرنا سبباً أساسياً وراء هذا التأجيل، إذ لم يكن الموقف الفلسطيني موحداً، في ظل انقسام فلسطيني، كما هو بأن رفض هذه الصفقة جملة وتفصيلاً، يقابل ذلك، كما يبدو، تراجع الحماس الإسرائيلي للصفقة بشكلها التي قد يتم الإعلان عنه، لسببين، الأول، أن أهم ما في هذه الصفقة يتم تحقيقه على الأرض فعلياً، وهو لصالحها كلياً، والثاني، أن بقاء الأمور على حالها في الوقت الراهن، يؤدي إلى اتخاذ خطوات إسرائيلية عملية يتم فرضها واقعياً على الأرض من دون أية التزامات قد تحددها صفقة مكتوبة معلنة ومحددة!   كما يبدو أن الولايات المتحدة، ليست مستعجلة في إطلاق صفقتها هذه، لانشغالها بملفين أكثر أهمية من وجهة نظرها، كوريا الشمالية وإيران، فالملف الكوري أخذ يتجه نحو التفاوض عبر قمة بعد أسابيع بين رئيسي البلدين، بينما الملف الإيراني بانتظار انسحاب واشنطن بعد أسابيع قليلة، إلا أن تداعيات هذين الملفين، ستترك آثارها على توجهات السياسة الأميركية اللاحقة، والتي قد تتداخل مع ملفات منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والملف الفلسطيني – الإسرائيلي على وجه الخصوص، انتظار النتائج المترتبة على هذين الملفين، يحيل أمر إطلاق صفقة القرن إلى التأجيل.   ولم تجابه التسريبات المتعلقة بصفقة القرن، برفض فلسطيني فحسب، بل أن حلفاء أميركا التقليديين، في أوروبا، سجلوا تحفظات عديدة على هذه التسريبات، وفي اجتماعات وزيري خارجية ألمانيا، هايكو ماس، وفرنسا، جان لدوريان، مع الرئيس أبو مازن مؤخراً، طلب الوزيران منحهما فرصة من أجل الوصول إلى حل وسط، وطرح خطة يمكن البناء عليها والتعامل معها، وإلى حين إيجاد جسور وتعديلات محتملة على صفقة القرن من قبل الجهود الأوروبية، فإن تفاصيل هذه الصفقة ستظل عرضة للمتغيرات، كما التأجيل.   في الأيام الأولى التي أعلنت إدارة “ترامب” عن صفقة القرن، كان من الواضح أن الرئيس الأميركي اعتقد أن هناك تغطية عربية لهذه الصفقة، من خلال مواقف عربية باتت أكثر تفهماً للعلاقة مع إسرائيل، من خلال خطوات تطبيعية هنا وهناك، وكذلك التقارب الأميركي الأوضح مع بعض الدول العربية، ما ظهر وكان ذلك يشكل تغطية عربية ضرورية للإعلان عن هذه الصفقة، إلا أنه تبين أن ذلك كله، رغم أهميته، ليس بكافٍ لمثل هذه التغطية، وتبين أن مثل هذا الأمر، غير متوفر، على الأقل على المستوى المنظور زمنياً، الأمر الذي أدرى مع الأسباب الأخرى، إلى تأجيل الإعلان عن إطلاق صفقة القرن بشكلها النهائي!

مشاركة :