يعرّف نقاد السرد (البطل الإشكالي) بأنه تلك «الشخصية التي تبحث عن القيم الأصيلة في واقع اجتماعي مضطرب، من حيث السلوك والقيم، وهو صاحب قدر كبير من الثقافة والوعي الفكري؛ لكنه عاجز عن إصلاح مجتمعه». إن البطل في فن الرواية يمثل عنصراً كبيراً تتشكل الرواية من صراعه وسكونه ونضاله وحياته وموته وهكذا؛ بل إن - البطل - هو صانع أحداث الرواية وحبكتها وصعودها وهبوطها. ففي رواية (كل الأشياء) للروائية القارئة بثينة العيسى تتجلى صورة هذا البطل الإشكالي على وجه بارز في شخصية (جاسم العظيمي) المثير للجدل، الثائر على المجتمع، اللا متصالح مع الشعور الجمعي من حوله، ففي الانطلاقة الأولى من الجذر اللغوي لاسمه «ع ظُ م» تتضح الدلالة اللغوية ببعدها المعنوي الفارق في المدلول. يستذكر متلقي الرواية شخصية البطل الإشكالي/ المخلّص في زمن أصبحت المحسوبيات هي الحقيقة والفساد هو الأصل والرشوة قد غلِّفت بالهدايا والهبات. فهذا العمل الروائي الكبير جداً قد قال كل الأشياء عن كل شيء يستحق أن يقال؛ لكنه لم يُقل في عصر ألجمه الصمت المطبق!! وإذ تتجلى مشاهد صراع هذا البطل الإشكالي (جاسم العظيمي) وارتطامه بشخصيات إنسانية صنعتها ظروف الإباء والنضال والرفض والتمرد على سياط الخنوع؛ كاستدعاء شخصيات إنسانية مثل: غسان كنفاني/ جورج أورويل/ حنظلة. وبالمناسبة فالدكتور طه وادي في كتابه (الرواية السياسية) قد ردّ نماذج البطل الإشكالي في الرواية العربية الحديثة إلى نموذجين اثنين: الأول/ الإشكالي الحضاري الذي تثقف في الغرب مباشرةً. والثاني/ الإشكالي الثوري الذي تمثّل ثقافة الغرب وقيمه من خلال قراءاته. ويفضي بنا هذا إلى أن هذا البطل الإشكالي الذي مثّله (جاسم العظيمي) في رواية كل الأشياء قد ثار داخلياً في مجتمعه (المكان الداخلي للنص) وذلك لعميق إيمانه أن صرخته/ رفضه/ تمرده/ مقاومته/ شجبه الذي حوله في نظر والده إلى «مردم» طائر ساذج يفتك بنفسه؛ هي انفجار للمكبوت في داخله على مسببات هذا التلويث السياسي للصالح الاجتماعي العام. كذلك فإن هذه الصرخة ليست - فقط - لأبناء جيله/ رفاق النضال المعاصرين؛ إنما هي صرخة لصداها الديمومة التي تظل عائمة في الكون. كما ارتد هذا البطل الإشكالي كثيراً إلى ذاكرته، إلى أفكاره، إلى صراعه النفسي مع أسرته مع تعليمه - أستاذ الرياضيات الأصلع - إلى حالة الحب أو اللاحب لصديقة النضال دانة داود؛ بل إلى صراعه النفسي مع كل الأشياء التي أبت وعصت على الموت والتلاشي، فهذا البطل الإشكالي «صار يعرف بأن الحياة تصطفي بعض أبنائها؛ أبناء السوء لتريهم الوجه الحقيقي منها». وقد تمت رواية (كل الأشياء) بسؤال أثار في وجدان بطلها كل الإشكالات والجراح التي لن ولم تلتئم بعد؛ هل العلاقة بدانة داود كانت حباً عابراً أو جرحاً غائراً؟! اختتمت الرواية باستفهام يفضي إلى نهايات مفتوحة تتابع معها الأسئلة والأسئلة بعدد كل الأشياء.
مشاركة :