تتضمن المعاجم اللغوية العديد من المصطلحات والمفردات التي تنطوي على تمييز خفي ضد المرأة، وهذه التعبيرات، قد تبدو في ظاهرها عادية ولا تثير الاستياء، ولكن في باطنها معاني مُضْمَرة، قد تفضي إلى إقصاء وتهميش بحق النساء. فمثلا، يقال للرجل الذي مازال على قيد الحياة “حيّ” فيما يقال للمرأة “حيّة”، أما الرجل الذي يؤتي الصَّواب في قَوْله أو رأيِه فيوصف بأنه “مصيب”، فيما توصف المرأة بـ”المصيبة”، ويسمى الرجل العضو في مجلس الشعب بـ”النائب” أما المرأة فتسمى “نائبة”، ومختلف هذه المفردات في صيغها المؤنثة تحتوي على تأويلات ضمنية معادية ومسيئة للمرأة ومخالفة كليا للمعنى الظاهر. كما تكشف بعض الأمثال المأخوذة من المجتمعات العربية مثل “البنت والخادم رأيهما عادم” و”ظل راجل ولا ظل حيطة” و”موت البنات من المكرمات” وغيرها عن واقع المرأة ومكانتها في وسطها الاجتماعي، نظرا لأنها تعكس ثقافة الشعوب ومواقفها المعلنة تجاه المرأة. هند الزيادي: المسألة أعمق بكثير من مجرد تلاعب بالمعاني، بل قضية تفكير بُني على اعتبار المرأة كائنا ناقصا هند الزيادي: المسألة أعمق بكثير من مجرد تلاعب بالمعاني، بل قضية تفكير بُني على اعتبار المرأة كائنا ناقصا ولا يتم ترديد بعض الأمثال ذائعة الصيت في الأوساط الاجتماعية بشكل اعتباطي، بل إن بوسعها التأثير على تفكير الأجيال وترسيخ معتقدات تعيق تحقيق المساواة بين الجنسين. التحيّز الخفي رغم أن معظم المجتمعات تسري فيها قوانين تحظر التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين، إلا أن الكثير من الأمثال الشعبية ما زالت تحل محل القوانين في إصدار الأحكام المسبقة على النساء، الأمر الذي يمكن أن يكرّس الصورة النمطية السلبية ضد المرأة، بل وقد يساهم في تشكيل ملامح حياة الأجيال القادمة من النساء. وتكمن المشكلة في أن هذا التحيّز الخفي والمستتر سواء في اللغة أو في الأمثال الشعبية يصعب التعامل معه ومواجهته، ولا يؤخذ الأمر برمته على محمل الجد، مما قد يساهم في استمرار نظرية الفوارق بين الجنسين المتحكمة في مجريات حياة النساء بشكل خاص. وتبين الدلائل المستندة على أبحاث الخبراء وأقوال الناس أنماطا لفظية من التمييز الخفي أكثر دهاء وتخفيا، قد تبدو أقل أهمية ولا يتم التعليق عليها، غير أنها يمكن أن تفضي إلى إقصاء المرأة عن محيطها الاجتماعي، حتى وإن استعملت من قبل البعض بنوايا حسنة. ومن هذا المنطلق، سيكون لاستخدام بعض المفردات والأمثلة الشعبية عواقب وخيمة حتى وإن عولجت الظروف والملابسات المعروفة التي تعرقل حصول النساء على نيل حقوقهن أسوة بالرجال. واعتبرت نوال خديم الباحثة المغربية في التنمية الذاتية أن التمييز ضد النساء راسخ بعمق في عقلية المجتمعات العربية، وليس من السهل تغيير الثقافة التي تنظر للمرأة بدونية، وتبرر بشتى الأسباب إقصاءها وممارسة مختلف أشكال العنف تجاهها. بسام عورتاني: المشكلة في طريقة تفكير المجتمع، فإن كان يحمل ثقافة عنصرية، فإنه سيبحث عن مفردات تخدم عنصريته بسام عورتاني: المشكلة في طريقة تفكير المجتمع، فإن كان يحمل ثقافة عنصرية، فإنه سيبحث عن مفردات تخدم عنصريته وقالت خديم لـ”العرب”، “التمييز ضد المرأة ليس خفيا فقط، بل إنه ظاهر للعلن في الممارسات والسلوكيات الاجتماعية وحتى في المعاجم والأمثال الشعبية، وهو يعبّر عن مستوى الوعي المنخفض المسيطر على المجتمعات الذكورية التي ما زالت غير قادرة على تقبل فكرة تساوي المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات”. وأضافت “أعتقد أن المجتمعات الإنسانية قاطبة لم تستفد شيئا من السيطرة الذكورية على مختلف مجالات الحياة، وتهميش دور المرأة الفعلي وكبح حريتها وطمس حقوقها المشروعة، وخير دليل على ذلك ما تعيشه العديد من المجتمعات من حروب وسفك للدماء وأمراض عضوية ونفسية غريبة وقهر وظلم…”. وواصلت “المجتمع الواعي يدرك تماما أن الرجولة الحقيقية لا تكتمل إلا بوجود امرأة غير مشلولة الفكر والإرادة، بل واعية وحرة ومبدعة تماما كما أراد لها الله تعالى أن تكون، وليس عورة ومصيبة وناقصة عقل وحيّة كما نعتها المتعصبون والمتشددون في الأمثال الشعبية، ولذلك فإنني أترفع كليا عن هذه الأمثال البالية والمغلوطة”. وختمت خديم بقولها “أحيي كل امرأة تهتم بنفسها وتنمي ذاتها وقدراتها وتدرك حقوقها وواجباتها، وبوجود هذا الأنموذج للمرأة القدوة الحسنة للأجيال نضمن الرجولة والحكمة والرقي والحب والسلام للمجتمعات”. ولا يبدو أنه من السهل على الناس تجنب عبارات وأمثلة ألفتها الألسن واعتادت عليها المجتمعات في لغة التخاطب حتى وإن كانت تتسم في صيغتها المؤنثة بطابع سلبي، بل وقد يتعمد المراوغون والمخالفون لمنطق اللغة استعمالها في غير أهدافها التعبيرية الحقيقية، فتتحول إلى أداة لإهانة المرأة. التلاعب بالألفاظ شددت الروائية التونسية هند الزيادي على وجود مستويات عديدة من التأويل في ما يتعلق بمعاني بعض المفردات اللغوية، قد تنطوي على تمييز ضد المرأة إذا وظفت في سياقات مغرضة ولأغراض معينة. وقالت الزيادي لـ”العرب” “ليس من الغريب التلاعب بالألفاظ وتوجيه المدلولات توجيها يخدم الصورة الموظفة في مصلحة الصوت الواحد الذي يستمد (مشروعيته) من تاريخ كامل من تغييب المرأة وتهميشها، لكن هنا لا بد من الفصل بين عمل اللغويين الذي كان عملا علميا لا علاقة له بمسائل الجندر والمواقف الفقهية أو الفكرية لأصحابها، وبين ما درج عليه الناس من تأويل لتلك اللغة”. Thumbnail وأضافت “الأبحاث اللغوية كانت بمعزل عن كل التأويلات التي حملتها الملفوظات في ما بعد، لذلك من المهم جدا أننا عندما نتحدث عن هذه اللغة الثانية المضمرة والمتحيزة ضد المرأة أن نستحضر وقائع التاريخ منذ وأد البنات إلى حدود الموروث الفقهي الذي يبحث لنفسه عن تأصيل يمتد إلى المرجعيات الكبرى، والتي تُعامل المرأة بمقتضاها على أنها متاع، ووفق تأويل يخدم المخيال الجمعي الذي يصنّف الأنثى على أنها شرّ لا بد منه”. نوال خديم: المجتمع الواعي يدرك تماما أن الرجولة الحقيقية لا تكتمل إلا بوجود امرأة غير مشلولة الفكر والإرادة نوال خديم: المجتمع الواعي يدرك تماما أن الرجولة الحقيقية لا تكتمل إلا بوجود امرأة غير مشلولة الفكر والإرادة واعتبرت الزيادي في خاتمة حديثها أن “المسألة أعمق بكثير من مجرد تلاعب بالمعاني اللغوية، بل قضية تفكير بُني من البداية على تصوّر يعتبر المرأة كائنا ناقصا وينظر لها نظرة دونية”. إلا أن الدكتور بسام عورتاني الباحث الفلسطيني المختص في علم الاجتماع، يبرئ اللغة من التحيّز ضد المرأة، ويشير إلى خليط من العوامل الدينية والثقافية التي ساهمت في بروز خطابات معادية للمرأة سيطرت على اللهجات العامية المحكية. وقال عورتاني لـ”العرب” “هناك فرق بين الحديث عن التمييز في اللغة العامية العربية وبين اللغة العربية الفصحى، أعتقد أنه إذا وجد التمييز سيكون في مفردات لغوية عامية مرتبطة باللهجات فقط، ولا أرى أي تمييز في اللغة العربية تجاه النساء”. وأضاف “اللغة العربية أداة تؤنث وتذكر كما يحلو لك، وبالتالي طريقة الاستخدام هي التي تطرح إشكالية التمييز، يعني المشكلة في الثقافة وطرق التفكير لدى المجتمع، فإن كان يحمل ثقافة عنصرية، فإنه بالتالي سيبحث عن مفردات تخدم عنصريته وإن كان يميز بين النساء والرجال فسيبحث عن مفردات في اللغة تخدم ما يصبو له.. إذن اللغة عموما ليست لها علاقة بالتمييز أو العنصرية”. وينخرط أيضا علماء الاجتماع في استعمال تعبيرات مجازية واستعارات لفظية لتحليل القضايا الخاصة بالجنسين، وإبراز العقبات والتحديات التي تمر بها النساء في حياتهن بالمقارنة مع الرجال، ورغم أن هدفهم هو الشرح والتبسيط لبعض الظواهر الاجتماعية، إلا ان صدى هذه المصطلحات قد يتجاوز حدود مقاصدهم، وقد يصبح جزءا لا يتجزأ من لعبة الخطابات التي تجعل المرأة دائما هي "العَرَضْ الذي يتعين تفسيره"، وليس الرجل، على حد تعبير ميشيل ريان، أستاذة علم النفس في جامعة إكستر البريطانية.
مشاركة :