يقال إن القصة الحقيقية التي ضُرب بها مثل "رُب ضارة نافعة" تعود إلى رجل كان على متن سفينة مع آخرين، فهبت عاصفةٌ قويةٌ أغرقت السفينة ولم ينج سواه وبعض الركاب، ويقال إن الأمواج تلاعبت بجسد هذا الرجل حتى رمته على شاطئ جزيرة نائية ومهجورة، فعندما أفاق من غيبوبته سأل الله أن يرسل له المعونة وينقذه من هذا الحال الصعب والأليم، وخلال تواجده في الجزيرة أصبح يقتات على ثمار الشجر وما يصطاده من أرانب، وبنى له كوخًا من أعواد الشجر ليحميه برد الليل وحر النهار، وذات يوم وبينما هو يتجول حول كوخه بانتظار طعامه أن ينضج، شبت النار في الكوخ وما حوله فأحرقته، فأصبح يبكي بحرقة ويصرخ: حتى الكوخ احترق ولم يتبق لي شيئا، لِمَ يحدث هذا معي يا رب؟ونام ليلته تلك وهو جائع وحزين لكنه في الصباح استيقظ على مفاجأة سارة للغاية، فقد اقتربت سفينة من شاطئ الجزيرة وأرسلت للرجل قاربًا صغيرًا لتنقذه، وعندما صعد الرجل إلى السفينة سأل طاقمها كيف عثروا عليه؟ فأجابوه: لقد رأينا دخانًا فعرفنا أن شخصًا ما يطلب المساعدة، فاحتراق كوخه كان سببًا في إنقاذه، ولولا النار لبقي في الجزيرة إلى الأبد.وهكذا نحن أيضًا نريد طريقًا محددًا ونسعى إلى الوصول إليه وتصادفنا معوقاتٌ تمنعنا من الوصول فنتذمر ونغضب، ونحاول جاهدين بكل الطرق أن نصل ولا نصل لأن الله قدر طريقًا آخر أفضل لنا ولمستقبلنا لحكمة لا نعلمها، فلا تطرق بابا مغلقًا مرتين، فالأبواب كثيرة، اسْعَ دائمًا من أجل الأفضل ولا تتشبث بما لم يقدره الله لك؛ لأن الخير في قدره، فلا تتذمر على وضعك الحالي، لا تنزعج من عمل تنتظره ولم يأت، ولا تيأس من دعوة تدعوها إلى الله ولم يستجبها بعد، لا تحزن على خطبة لم تتم أو انفصال وقع رغم عنك، لا تشكُ من مرض ابتُليت به.لا تبكِ على خسارة سيارتك في حادث، أو سرقة أموالك فسلامتك وأمانك أهم، ولا تسأل الله لماذا؟ لماذا لم أنجب حتى الآن؟ لماذا أصابني هذا المكروه؟ لماذا تُوفي أحدُ أبنائي؟ لماذا كل الأبواب مغلقة بوجهي؟ فإن فتح الله كل باب تمنيت أن يفتح لك قد ترى الجحيم خلفه ومرارًا لا تستطيع تَحَمُّله وأنت لا تعلم، وإن استجاب أيضًا دعواتك كلها التي طالما حلُمت أن تتحقق (بالعمل في مكان ما أو الارتباط بشخص بعينه أو أن تصبح من الأثرياء أو أن تنجب الكثير من الأبناء) قد ترى الهلاك في الاستجابة، فلا تتعجل حلو أمورك ودعها كلها لله تأتيك كما تمنيت وأفضل. قد يكون هذا العمل الذي تتمناه لا يناسبك؛ نعم راتبه أكثر وأضعاف ما كنت تحصل عليه من عملك الحالي، ولكن مشاكله أكثر وقد يرهقك نفسيا ولا تجد وقتًا من أجل عائلتك وأبنائك، وقد يكون هذا الشخص الذي أنت مولع به عن قرب غير مناسب لك بالمرة وستعيش معه حياة تعيسة أو سيؤذيك نفسيًا ومعنويًا، فيريد الله أن يحميك فيصرفه عنك ليرسل لك الأفضل، وقد يكون المال فتنة وكذلك الأولاد، فكل ما منعه الله عنك هو خير لك وكل خسارة بعينك هي في الحقيقة مكسب لك وأنت لا تعلم، فارض بما كتبه الله يرتاح بالك وتهدأ نفسك، ولا تحزن على شيء ولا تترك نفسك إلى نوبات الاكتئاب والوحدة والعزلة؛ فحياتك نعمة وتستحق أن تعيشها بسعادة، ووقتك ثمين فلا تضيعه على ما لا ينفع ولا تجعل اليأس يتملكك، فكن أقوى من هذه المرحلة وتخطاها بهدوء، وكل مُرٍ حتمًا سيمر والوقت سرعان ما يمضي، فاستودع نفسك عند الله وادعُ بما هو خير لك، وإن أُغلق في وجهك بابٌ، اعلم أن الله يحفظك مما خلفه ولا تقلق على مستقبلك سيعوضك دائمًا بالأفضل، فقط ثق به وليس كلُّ خسارةٍ ضارة، فرُب ضارة نافعة.
مشاركة :