قال خطيب جامع الخير في قلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة أمس إن الشريعة الإسلامية قد اهتمت بأفرادها كما اهتمت بمجتمعاتها، ووضعت لهم الحقوق القائمة على الحرية والمساواة والعدل، ووجهت إلى إعطاء كل ذي حق حقه، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70]، وجاء عن نبيكم محمد: (لا فرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض ولا أسود، إلا بالتقوى)، وقال تعالى في خلق الإنسان (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]، بينما غيركم معاقون محرومون، بعلم الله وقدرته، معاقون جسديا كالأعمى والأصم والذي لا يستطيع المشي، وبعضهم معاقون ذهنيا، والمعاقون شريحة عزيزة على المجتمع، لها سائر الحقوق كما بقية المجتمع، ولهم كذلك حقوق أخرى مراعاة لظروفهم وأحوالهم وحاجاتهم. إن من الأمور المهمة في بداية تكوين الحياة الزوجية هو حسن الاختيار، لأن الأمراض الوراثية من مسببات الإعاقة، لذا فإن من شروط عقد النكاح الكشف الطبي للمتقدمين للزواج، فالطفل قد يرث الإعاقة من أحد والديه، وقد قال: (تخيروا لنطفكم) [ابن ماجه]، وقال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) [الترمذي]. واعلموا أن الأم عليها مسؤولية العناية بجنينها وهو في بطنها، وقد أباح الإسلام لها أن تفطر في رمضان إذا خافت على جنينها الضرر، وكذلك على الأب مسؤولية عدم التدخين والإضرار بالأم والجنين، وهذا ما يؤكد عناية الشريعة الإسلامية بالفرد قبل قدومه إلى هذه الحياة، وإذا رزق أحد بمولود معاق فإن الإسلام حث الأب والأم على العناية به، وتربيته التربية الصالحة حتى يكون عنصرًا فاعلاً بالمجتمع. أتعلمون من الذي استخلفه رسول الله على المدينة المنورة مرتين، وأصبح مؤذنا لرسول الله، وكان معلمًا للقرآن في المدينة، وقد لبس درعه يوم القادسية ورفع راية جيش المسلمين، وكلما رآه رسول الله في طرقات المدينة يقول له: (مَرحَبَا بِمن عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي، هل لَكَ مِن حَاجَةِ؟)، إنه ابن أم مكتوم، الصحابي الجليل، الرجل الأعمى، من ذوي الاحتياجات الخاصة، لقد عاتب الله تعالى رسوله الكريم حين اهتم بدعوة قريش عندما جـاءه ابن أم مكتوم -وكان أعمى- قال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أن جَاءَهُ الأَعْمَى) [عبس:1-2]، قال ابن كثير في هذه الآية: (ومن هنا أمر الله عز وجل رسوله ألا يخص بالإنذار أحدًا، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والغني والفقير والسادة والعبيد والرجال والنساء والكبار والصغار، ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة). يعيش بيننا اليوم فئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعضهم كانت الإعاقة من الولادة والبعض بسبب أمراض وحوادث، وهم غير قادرين على العطاء الكامل إلا بتوفيق الله ثم بتعاوننا معهم حين نقدم لهم بعض الخدمات ورعاية مصالحهم وتسهيل أمورهم، لذا فإن من الواجب على الجميع الوقوف معهم ومساندتهم، ولنعلم بأن هناك الكثير ممن يصلّون معنا في هذا الجامع المبارك، فيحضرون جمعتكم، ويفهمون خطبتكم، وهم متفائلون مستبشرون لما هداهم الله له من الخير، واعلموا أن اللَّه لا يُضيع أجر المحسنين. حقا إنه دين الرحمة، وقد قال تعالى لنبيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، وقال النبي: (لَن تُؤمِنُوا حتى تَرَاحَمُوا)، قال الصحابة: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: (إنَّهُ لَيسَ بِرحمَةِ أَحدِكُم صَاحِبَهُ، وَلَكِنَّها رَحمَةُ العَامَّةِ).
مشاركة :