قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة أمس: من منا لم تصبه مصيبة أو تنزل به مشكلة؟!، من منا لم يفقد عزيزاً أو قريباً؟!، من منا لم يمرض أو يخسر في تجارة؟!، وقد وصف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك بقوله: (مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء..) (مسلم). فالمؤمن كالزرع الذي تهب عليه الريح العاتية فتميله، فالمصائب رغم قسوتها وآلامها فإنها لا تهزم المؤمن ولا تكسره، وذلك لإيمانه بالله تعالى. إن الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والحوادث والفواجع، فبينما الإنسان يسعد ويفرح بقرب عزيز عليه إذ هو يفجع بموته وفراقه، وبينما الإنسان في رخاء وصحة وعافية إذ هو يفجع بمرض يعكر صفو حياته وآماله، هذه هي الحياة أفراح وآمال وفي المقابل أحزان وآلام، فدوام الحال من المحال، وهذه هي الحياة الدنيا وتقلباتها، وليس للمؤمن إلا الصبر والصلاة، قال تعالى: «وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ» (البقرة: 45)، قال الحسن: «جرَّبْنا وجرَّب المجرِّبون فلم نر شيئًا أنفع من الصبر، به تداوى الأمور، وهو لا يُداوى بغيره»، وإن أمر المؤمن كله خير، لأنه إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له، كما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). لقد أخبر الله تعالى بأن الحياة الدنيا هي دار ابتلاء، فقال في محكم التنزيل: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (البقرة: 155-157)، ولنعلم جميعاً أن من أعظم أسباب حفظ الله والعون على المصائب هو الصبر، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (البقرة: 153). عند فقد حبيب أو عزيز يجب أن نعلم بأنه قد رحل إلى أفضل جوار، ولنعلم بأن أعمار الناس جميعاً هي آجال مضروبة، قالت أم حبيبة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) يومًا: اللهم أمتعني بزوجي رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «قد سألتِ الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاقٍ مقسومة، لن يعجّل شيئًا قبل حِلّه، أو يؤخر شيئًا عن حلّه، ولو كنت سألتِ الله أن يعيذكِ من عذابٍ في النار أو عذابٍ في القبر كان خيرًا وأفضل» (مسلم). إن لنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، فقد كانت حياته صبرا على المحن وفراق الأحبة، ففي عام الحزن مات عمه أبو طالب، وماتت زوجته خديجة، ومات كثيرون من أصحابه، وفقد بعض بناته، ثم مات ابنه إبراهيم، فلم يزد على أن قال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) (البخاري). واليكم قصص بعض السلف في فقد الأحبة، فقد مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز فدفنه أبوه، ثم استوى على قبره قائمًا وقد أحاط به الناس فقال:«رحمك الله يا بُني، قد كنتَ برًا بأبيك، والله ما زلتُ مذ وهبكَ الله لي مسرورًا بك، ولا والله ما كنتُ قطّ أشدَّ بك سرورًا ولا أرجى بحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك في هذا المنْزل الذي صيَّرك الله إليه). إن المؤمن الصادق هو الذي يحسن الظن بربه، وقد أخبر رسول الله (صلى لله عليه وسلم) بذلك: (أنا عند ظن عبدي بي). فثقوا برحمة الله، وأن أقداره كلها خير وإن كانت في ظاهرها مصائب ومواجع، قال تعالى: «وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (البقرة: 216)، ثم تذكروا أن الله لو شاء لجعل المصائب أعظم والحوادث أفجع، يقول الفاروق عمر بن الخطاب:«ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله على أربعة أشياء أنها لم تكن في ديني، أنها لم تكن أكبر منها، أن الله يثيبني عليها الجنة، أني تذكرت مصيبتي في فقد النبي -صلى الله عليه وسلم»، ويقول: «والله لا أبالي على أي حال من حال الدنيا أصبحت بخير أم بشر، في رخاء أم ضيق، فرح أو حزن ما دمت مسلما». ولمن فقد ولداً فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدَكَ واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسَمُّوه بيت الحمد» (الترمذي). إياكم عند المصائب والجزع وكثرة الشكوى، فإن من غفل عن أسباب العزاء ودواعي السلوة تضاعفت عليه شدة الأسى والحسرة، حُكي أن أعرابية دخلت من البادية، فسمعت صُراخًا في دار، فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان، فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرّمون، وعن ثوابه يرغبون. ومات لرجل وامرأة ابنٌ يُحِبَّانِهِ، فقال الرجل لزوجته: اتقي الله واحتسبيه واصبري، فقالت: مصيبتي أعظم من أنْ أفسدها بالجزع. ونصحية للمصاب، إياك والعزلة والإنفراد، فإن الشيطان لا يزال بالإنسان بالوساوس ليبعده عن الجماعة، فأشغل نفسك بالصلاة وقرآءة القرآن والدعاء، واجعلها أنيسك ورفيقك، فإنه بذكر الله تطمئن القلوب. جعلنا الله جميعًا من الصابرين الشاكرين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مشاركة :