يعتبر الاستثمار واحدا من أهم الوسائل لدفع التنمية في المجتمعات وللحفاظ على حيوية اقتصاداتها، وهو يحظى باهتمام كل الدول كوظيفة أساسية لنموها الطبيعي وكدالة لبنية الاقتصاد وقدرته في استيعاب المزيد من القوى العاملة بتخليق وظائف جديدة تستوعب القادمين الجدد لسوق العمل. ومنذ القدم اعتبرت معادلة الاستثمار / الادخار واحدة من أهم مؤشرات عافية وقوة أي اقتصاد في العالم، وفي دول كثيرة يعتبر تفوق الاستثمار على الادخار علامة على نجاحها اقتصاديا. ومراجعة بسيطة لحجم السيولة المتوافرة لدينا، وهو ما يظهره أي اكتتاب سواء لبنك أو شركة عندما تفوق التغطية بمراحل كامل الأسهم أو السندات المطروحة، ولعل أحدث مثال ما حدث مؤخرا مع البنك الأهلي الذي وصلت مبالغة المحصلة أكثر من 310 مليار ريال. مؤشر إضافي آخر لحجم السيولة المتوافرة، بمعنى المعطلة من الاستثمار ما أعلن مؤخرا أن أرصدة سيدات الأعمال تتخطى 375 بليون ريال، هذا وهن سيدات أعمال، فإذا أضفنا إليهن المعلمات والموظفات لا شك أن المبلغ سيتضاعف، وهناك رجال كثيرون لديهم ما يمكنهم استثماره لكنهم يحجمون خشية الخسارة وضياع تحويشة العمر ، وهذه كلها أموال سائلة مجمدة إما في البنوك أو خزائن المنازل «تحت البلاطة». رقم آخر يلفت النظر هنا هو حجم سحوبات الأفراد البنكية الذي بلغ، حسب آخر تقارير مؤسسة النقد، في ربـع سنة مالية واحدة حوالى 232 مليار ريال، ولكم أن تضربوا الرقم في أربـعة لمعرفة معدله السنوي، وهي في معظمها مؤشرات سلبية لفعالية الاقتصاد، أو ما يمكن تسميته اقتصاديا بالسيولة المهدرة في سلع وخدمات استهلاكية. وقد تساءلت سابقا عن عدم ظهور أوعية استثمارية لهذه السيولة المتدفقة سواء في إنشاء شركات مساهمة بأنواعها المختلفة، أو حتى قيام مؤسسات فردية تجارية يمكنها استغلال هذه الأموال وتحريكها اقتصاديا، وصادف أن وجدت نصف جواب بصحيفة الاقتصادية (6 نوفمبر الحالي) أنها الإجراءات الحكومية وصعوبة التمويل كأبرز معوقات لمشاريـع شباب الأعمال. غير أنه مع هذا الحجم المتنامي من السيولة المتوافرة، يصعب القول أن التمويل يعد واحدا من هذه المعوقات. استقرار السوق ووضوح التعليمات أحد أهم مؤشرات نمو عمليات الاستثمار عالميا، يضاف لذلك محليا غياب دور «المنظم» الذي تحدث عنه قديما العالم الاقتصادي جوزيف شومبيتر للجمع بين مالكي عناصر الإنتاج التقليدية من عمل ورأس مال ومواد أولية وتخلف الأشكال القانونية الواضحة لتنظيم مثل هذه الشراكات.
مشاركة :