انتخابات لبنان .. نسبية القانون وحتمية التمثيل

  • 5/7/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شهد لبنان يوم أمس محطة جديدة للانتخابات النيابية، بعد مُضي نحو عقد من الزمن على آخر انتخابات شهدتها البلاد في حزيران (يونيو) سنة 2009، جرت مياه كثيرة تحت الجسر ما بين المحطتين، وشهدت البلاد تحولات كبرى بسبب الفراغات المؤسّسية المتقطعة، والموجات المتكررة من الشلل السياسي، والأزمات الدستورية.يقوم النظام الانتخابي اللبناني على المحاصصة الطائفية، استنادا إلى التركيبة الديمغرافية للبلاد "4.5 مليون نسمة"؛ الموزعة بين 64 في المائة من المسلمين، و35 في المائة من المسيحيين. ويضم 18 مذهبا معترفا به بشكل رسمي، موزعين بين 12 مجموعة مسيحية، وخمس مجموعات إسلامية، وأقلية يهودية لم تعد موجودة هناك.امتد التوزيع الطائفي ليشتمل المناصب الرئاسية الثلاثة في البلاد، حيث تُمنح رئاسة الجمهورية للمسيحيين الموارنة، وتُسند رئاسة المجلس النيابي إلى المسلمين الشيعة، فيما تؤُول رئاسة مجلس الوزراء إلى المسلمين السنة، الذي تبقى بين يدي مجلسه مجتمعا صلاحيات واسعة.بعد تمديد لثلاث مرات متوالية، تمكّن اللبنانيون أخيرا من تجديد أعضاء المجلس النيابي البالغ عددهم 128 مقعدا؛ موزعين مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بعد طول انتظار بسبب الحرب المشتعلة في سورية منذ عام 2011، التي انخرطت فيها قوى سياسية لبنانية، خصوصا حزب الله وحلفاءه، الذي يشارك في المعارك على الأراضي السورية إلى جانب قوات النظام ضد الثوار منذ عام 2013.نُظم هذا الاقتراع في ظل قانون جديد، ما يزال السجال مستمرا بين عديد من المراقبين حول الطريقة التي تم بها التوافق عليه؛ خلف الأبواب الموصدة، وخارج إطار المؤسسات الرسمية. ومن جملة الملاحظات التي سجلت عليه، نذكر ما يلي:أولا: يحصر الدوائر الانتخابية في 15 دائرة فقط، تملك معظمها أكثرية طائفية واضحة. فالظاهر أن التقسيم جاء ليلبّي مصالح الأحزاب المتنفذة، من أجل إتاحة المجال أمام التحالفات الانتخابية المقبلة، لتحقيق أقصى قدر من المنافع والمكتسبات. ثانيا: لا يعالج القانون مسائل سياسية واجتماعية بالغة الأهمية، فهو لا يفرض تمثيلية إجبارية للنساء في البرلمان "صيغة الكوتا"، لتجاوزه تهميش المرأة في السياسية، وتدارك النقص الذي تعانيه النساء في التمثيلية داخل مؤسسات الدولة. "أربع نساء في البرلمان، وزيرة في الحكومة".ثالثا: استمرار حرمان الفقراء والأحزاب الصغيرة والمستقلين من المشاركة السياسية، فالقانون يتضمن قيودا تحول دون تمكن الأكثر فقرا من الترشح، إذ رفع الرسوم المفروضة على المرشحين أربعة أضعاف مقارنة بما كان مقررا سنة 2009، حيث تقدر حاليا بثمانية ملايين ليرة لبنانية؛ أي ما يفوق خمسة آلاف دولار.رابعا: يتوقع نظريا على الأقل، من هذا القانون أن يعبد الطريق للانتخابات كي تكون فرصة لإعادة الوهج إلى الحياة السياسية في لبنان. وتكون هذه المحطة مناسبة لتجديد النخب السياسية؛ في أفق تغيير المشهد السياسي، بما يتوافق مع التحديات التي تواجهها البلاد. لكن شيئا من ذلك لن يكون، فأحيانا كلما تغيرت الأمور أكثر "القوانين، الأحزاب، والوجوه" بقيت على حالها.بسعيهم إلى تلبية المطالب الطائفية والتفضيلات السياسية، يتسبّب واضعو القانون من حيث لا يدرون، في ترسيخ المجموعات المذهبية، مفرطين بذلك في الهدف الاندماجي الذي نص عليه اتفاق الطائف الموقع بين الأطراف المتنازعة في أيلول (سبتمبر) 1989.يُعلق أحد المختصين المتابعين للشأن الداخلي اللبناني على إطار العمل الانتخابي الجديد بقوله "إنه خليط من الأحكام الدستورية والقوانين والتنظيمات والممارسات المقبولة شبه القانونية وغير القانونية. إلى جانب التقسيمات الطائفية والجغرافية، على اللبنانيين أن يقترعوا الآن وفقا لدوائر انتخابية، جرى تقسيمها بحسب ما تمليه المصالح، ووفقا للتمثيل النسبي، والصوت التفضيلي، وتوزيع المقاعد استنادا إلى معادلة معينة".ويضيف ساخرا من مآلات تطبيق ذاك القانون "لا يفهم عدد كبير من اللبنانيين إطار العمل فهما كاملا، ومن يفهمونه يختلفون في الرأي حول مفاعيله المحتملة. ومَن يتشاركون المصالح يختلفون في الرأي حول الاستراتيجية الفضلى أو حول كيفية تجسيدها بأفضل طريقة في صندوق الاقتراع. من أجل الالتفاف على هذه التعقيدات، سيتوجه كثرٌ إلى المكتب المحلي لحزبهم المفضّل، ويسألون "ماذا تريدوننا أن نفعل"؟لا يمكن حصر الممارسة الديمقراطية في مجرد يوم اقتراع، مع ما يسبقه من شكليات. لأن جوهر الديمقراطية يقتضي احترام حقوق الإنسان الأساسية، التي تشمل حرية الأفراد في الترشح بلا قيود، وأحزاب سياسية متنافسة على قدم المساواة بلا قيود ولا ترهيب يمارسه حزب على حساب البقية، ونصوص قانونية محايدة غير منحازة لطرف على حساب الآخر، وحملات انتخابية مفتوحة أمام كل الأحزاب وكافة المرشحين. مهما كانت نتائج الصناديق، فكثير من اللبنانيين لا يتوقعون تغييرا جوهريا في موازين القوى المؤثرة في المشهد السياسي. فصناع هذه المنظومة حرصوا على منح الأحزاب الكبرى تمثيلا في مجلس النواب، وأتاحت لهم السيطرة على دوائر انتخابية معينة خشية مزيد من الصدامات. كما أن أي محاولة نحو إجراء إصلاحات بنيوية حقيقية، تسعى إلى وضع حد لديمقراطية الطائفية في لبنان سيكون مصيرها الوأد من المهد، وبذلك تبقى الديمقراطية اللبنانية "ديمقراطية شكلية" حتى إشعار آخر.Image: Author: «الاقتصادية» من الرياضpublication date: الاثنين, مايو 7, 2018 - 03:00

مشاركة :